معركة محاكمة إسرائيل ومواجهاتها المقبلة
| تحسين حلبي
لقد أصبح هذا العالم بكل الأسماء والاصطلاحات التي حملها خلال هذا القرن وحشاً بشكل غير مسبوق وبشكل علني لم يستر فيه جرائمه أمام كل البشر على هذا الكوكب، فهذا الكيان الاستيطاني الذي يتبناه الغرب الاستعماري، يمنع علناً أي مؤسسة أو منظمة أممية دولية من تقديم المساعدة الملحة لما يزيد على مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين في قطاع غزة، ويصمت العالم الغربي كله أمام جرائمه ويدعم إجراءات الكيان التي تمنع أي فرد أو دولة أو منظمة أممية تسعى لتقديم المساعدة لهذا الشعب خلال أكثر من 11 شهراً ويزداد عدد الشهداء والجرحى يوما تلو آخر دون توقف مثلما يزداد عدد الأطفال الفلسطينيين الذين يقتلون بنيران وقذائف جيش الاحتلال وبنقص الدواء والغذاء وتتحول بيوتهم إلى مقابر تحت الدمار، وفي ظل هذا التواطؤ الغربي ضد مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين المحاصرين منذ 17 عاماً في مساحة ضيقة، يقوم قادة العالم الغربي وفي مقدمهم الرئيس الأميركي جو بايدين بتهديد رئيس محكمة الجنايات الدولية كريم خان بالعقوبات ضده إذا استكمل إجراءات إدانة إسرائيل بارتكاب جرائم حرب واضحة في قطاع غزة وأصدر مذكرة اعتقال بحق رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت، والكل يعرف أن هذه المنظمة العالمية تستند إلى القانون الدولي الذي وضع العالم الغربي نفسه وما يسمى بالمجتمع الدولي، وهي التي أصدرت مذكرات اعتقال عديدة لمحاكمة متهمين بينهم وزراء وقادة جيش ورؤساء من دول أخرى مثل الرئيس السوداني عمر البشير، وتبنى الغرب حتى الآن هذه المذكرات وأبدى استعداده لاعتقال المتهمين في حين وقف هذا الغرب إلى جانب نتنياهو ومذابحه حين نظرت المحكمة قبل أيام بإعداد مذكرة تطالب باعتقاله ومحاكمته مع غالانت بارتكاب جرائم حرب موصوفة مدعمة بأدلة ثابتة.
في الخامس من شهر أيلول الجاري ذكرت قناة «بي بي سي» البريطانية أن «المدعي العام الأعلى لمحكمة الجنايات الدولية كريم خان صرح بأن عدداً من زعماء العالم يضغطون عليه لمنعه من إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت وحذروه من القيام بهذا الإجراء»، وكان خان قد أعلن في أيار الماضي عن وجود أدلة ثابتة على ارتكاب الاثنين نتنياهو وغالانت جرائم حرب لإبادة شعب لكنه فضل الانتظار قليلا لإصدار مذكرة اعتقال بحقهما، وصرح خان في مقابلة مع القناة البريطانية أن المحكمة من واجبها معاملة الجميع بالطريقة نفسها، وأضاف: «لا يمكن أن نعامل دولة أو طرفا بشكل مختلف عن الآخر حتى لو رفض حلف الأطلسي أو الدول الأوروبية تنفيذ القرار، ولدي أدلة كثيرة تثبت الإدانة»، وذكرت مجلة «ذا كراديل» الأميركية في الخامس من أيلول الجاري أن إحدى المجموعات القانونية البريطانية «منظمة محامون بريطانيون للدفاع عن إسرائيل»، هددت خان في 27 من شهر آب الماضي في رسالة بعثتها إليه بأنها سترفع ضده شخصيا قضية تتهمه فيها بتقديم أدلة مزيفة إذا أصدر مذكرة اعتقال ضد نتنياهو وغالانت»، وإذا ما نجحت هذه المنظمة في اتهامهم لخان قضائيا، فمن المحتمل أن يتم شطب اسم خان من نقابة المحامين ومنعه من ممارسة القانون في المملكة المتحدة باعتباره محامياً في القضايا الأكثر خطورة.
من جهتهم، بعث عشرات من أعضاء مجلس الكونغرس الأميركي من الجمهوريين، أيضا، برسالة إلى خان في أيار الماضي يطالبونه فيها بالامتناع عن إصدار مذكرة الاعتقال وقالوا له في الرسالة «إذا استهدفت إسرائيل فسوف نجعلك هدفا لنا».
يبدو أن معركة تحقيق العدالة ضد الغرب الاستعماري في أروقة المجتمع الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة، قد بدأ العد التنازلي لمفاعيلها ومضاعفاتها العالمية وأصبحت الضرورة تتطلب من كل قوى الرأي العام العالمي التي تمثل إرادة الشعوب وليس إرادة قادة الغرب الاستعماري، أن تتحرك على هذه الساحة لمنع حكومات الغرب من فرض سياساتها الاستعمارية على المنظمات الدولية القانونية والإنسانية في العالم، وإذا كانت المقاومة مستمرة في فلسطين ضد الكيان الإسرائيلي وجرائمه الوحشية فإن مقاومة الابتزاز والتضليل اللذين يتبناهما الغرب ستظل الحاجة لها ملحة، ولا يمكن الاستغناء عنها إلى جانب كل أشكال المقاومة التي يقوم بها الشعب الفلسطيني وحلفاؤه في المنطقة.