ثقافة وفن

قضايا التعليم والتغيرات المناخية والبيئة في صلب المعركة الانتخابية الأميركية

| د. وائل معـــــــــــلا

يعدُّ «المشروع 2025» الأجندة السياسية المحتملة للمرشح الجمهوري لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية دونالد ترمب فيما لو أعيد انتخابه، على الرغم من محاولته النأي بنفسه عن هذا المشروع.

تتضمن وثيقة «المشروع 2025» الذي أعدته مؤسسة التراث The Heritage Foundation وهي مؤسسة أميركية يمينية عدة أهداف مركزية أهمها، بحسب ما أعلنته المؤسسة: استعادة الأسرة لموقعها كمحور الحياة الأميركية، والدفاع عن سيادة الدولة وحدودها، وتفكيك الدولة الإدارية. وقد شارك في إعداد وثيقة المشروع عدد كبير ممن استعان بهم ترامب سابقاً وعينهم في إدارته، كما يعكس المشروع إسهامات ما يزيد على 100 منظمة محافظة.

إعادة هيكلة التعليم والتعليم العالي

على صعيد التعليم ما قبل الجامعي والتعليم العالي، يدعو المشروع إلى إحداث تحول جذري في نظام التعليم في الولايات المتحدة من خلال تقليص دور وزارة التعليم أو إلغائها، وإنهاء ما أسموه بـ«كارتل الاعتماد» accreditation cartel والمقصود هنا إنهاء احتكار هيئات اعتماد المؤسسات التعليمية القائمة، وتقليل البرامج الفيدرالية لمساعدة الطلاب، وإنهاء برامج الإعفاء من القروض التي أنشأتها إدارة أوباما، وإنهاء تمويل البحوث المتعلقة بتغير المناخ والبيئة، والحد بشكل كبير من مدفوعات التكاليف الفيدرالية غير المباشرة التي تدعم العلوم والأبحاث الأكاديمية الأخرى. واللافت للنظر هنا هو استخدام «المشروع 2025» لكلمة «كارتل» لوصف هيئات الاعتماد الأكاديمي، وهو مصطلح يستخدم عادة في وصف العصابات.

يعتبر الدستور الأميركي أن التعليم بشكل عام مسؤولية تقع على عاتق الولايات، ويسمح لكل ولاية بتطوير نظامها التعليمي الذي يتناسب مع احتياجاتها الخاصة، ولا يمنح الحكومة الفيدرالية سلطة مباشرة على إدارة التعليم العام، بل يمنح الولايات الفردية سلطة تحديد سياسات التعليم وإدارتها. على الرغم من ذلك، يقترح «المشروع 2025» إلغاء وزارة التعليم والدور المهم الذي تلعبه حالياً، رغم محدوديته، وهو تقديم الدعم المالي للولايات والمناطق التعليمية المحلية، ووضع معايير التعليم الوطنية، وجمع وتحليل البيانات المتعلقة بتحصيل الطلاب ومؤهلات المعلمين، وغيرها، والتي تساعد في عملية اتخاذ القرار، وتعزيز المساواة التعليمية، أي ضمان حصول جميع الطلاب على فرص متساوية للحصول على تعليم جيد، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الوضع الاجتماعي والاقتصادي.

التخلي عن الطاقات المتجددة

وعلى الرغم من أن أكثر دول العالم تتوسع في استخدام الطاقات المتجددة للحد من ظاهرة التغيرات المناخية وآثارها، يطالب «المشروع 2025» بترشيد تمويل البحث العلمي في مجال الطاقات المتجددة، وتخفيض الاستثمارات في هذا المجال، وإنهاء الحرب على المحروقات العضوية مثل النفط والغاز الطبيعي، والسعي إلى إنتاج الطاقة وتأمين مواردها عوضاً عن السعي للحد من استخدام الوقود الأحفوري.

ويؤكد «المشروع 2025» على أن مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، غير موثوقة وغير قادرة على تلبية احتياجات البلاد من الطاقة. ويجادلون بأن هذه المصادر متقطعة وتتطلب دعماً كبيراً من الوقود الأحفوري التقليدي. كما يشير المشروع إلى أن الدعم الحكومي للطاقة المتجددة يضر بالاقتصاد ويشوّه أسواق الطاقة. وهم يعتقدون أن خفض هذا الدعم سيسمح لسوق الطاقة بالعمل بحرية وكفاءة أكبر.

رؤية جديدة للتعليم المدرسي

وبالنسبة للتعليم المدرسي يدعو «المشروع 2025» إلى تقليل التمويل الفيدرالي للتعليم، ونقل المزيد من المسؤولية إلى الحكومات المحلية. كما يدعم برامج الاختيار المدرسي التي تهدف إلى منح الأسر إمكانيات أوسع لاختيار المدارس التي يرسلون إليها أبناءهم، بدلاً من إرسال الطلاب إلى المدارس بناءً على مناطق سكنهم. ويدعم تحويل الأموال العامة إلى المدارس الخاصة، ويؤكد السيطرة المحلية على تمويل التعليم، ما يمنح السلطات المحلية المزيد من الصلاحيات في تحديد ميزانيات المدارس، ويشجع على التبرعات الخاصة والدعم الخيري للتعليم، ويدعم استخدام حسابات التوفير التعليمية Educational Savings Accounts التي تسمح للأسر بفتح حسابات مصرفية تخصّص لتسديد رسوم التعليم.

كما تطالب وثيقة المشروع بحذف عدد كبير من المصطلحات من اللوائح والقوانين الفيدرالية، بما فيها التنوع والمساواة؛ والإجهاض، والشمول، والمساواة بين الجنسين، والتوجه الجنسي، والحقوق الإنجابية.

إعادة النظر في هيئات الاعتماد

وبالنسبة لهيئات اعتماد المؤسسات التعليمية، لا يدعو «المشروع 2025» صراحةً إلى إلغائها، بل يقترح إعادة التفكير بدورها ووظائفها، معتبراً أن هيئات الاعتماد مفرطة في البيروقراطية وتركز على الامتثال للمعايير، بدلاً من تشجيع الابتكار والتحسين. كما يتهمها بالافتقار إلى المرونة حيث يمكن للمعايير وإجراءاتها الصارمة أن تحد من قدرة المدارس والجامعات على تجربة أساليب جديدة والتكيف مع الاحتياجات المتغيرة. كما أن عملية الاعتماد بحد ذاتها مكلفة ولاسيما بالنسبة للمؤسسات الصغيرة، ويمكن أن تجعل المؤسسة التعليمية تنفق الكثير من مواردها في أوجه مكلفة وبعيدة عن الأنشطة التعليمية الأساسية. إضافة إلى أن فعالية هيئات الاعتماد محدودة في ضمان تعليم عالي الجودة، ولاسيما فيما يتعلق بنتائج الطلاب.

ويقترح «المشروع 2025» أن تركز هيئات الاعتماد بشكل أكبر على دعم جهود المدارس والجامعات في التحسين، بدلاً من مجرد الحكم على امتثالها للمعايير. ويمكن أن يشمل ذلك توفير التوجيه والموارد وفرص التطوير المهني. كما يقترح المشروع أشكالًا بديلة للمساءلة ومنح الاعتماد وفقاً لأسس مختلفة، كالأداء أو مراجعة النظراء.

معارضو المشروع

وفي حين يزعم مؤيدو «المشروع 2025» أنه سيؤدي إلى تحسين البلاد، فقد أثار منتقدوه مخاوف بشأن العديد من الآثار السلبية المحتملة، وأهمها: «تآكل الأعراف الديمقراطية» و«التناقض مع مبادئ الليبرالية الحديثة». كما يرى منتقدو المشروع أن التخفيضات الضريبية المقترحة في «المشروع 2025» تفيد الأثرياء في المقام الأول، ما يؤدي إلى تفاقم عدم المساواة الاقتصادية، كذلك هناك مخاوف من أن تركيز الأجندة على خفض الإنفاق الحكومي يمكن أن يؤدي إلى تخفيضات في البرامج الاجتماعية التي يستفيد منها الأفراد والأسر ذات الدخل المنخفض ما يؤدي إلى تقليص شبكة الأمان الاجتماعي. كذلك يخشى المنتقدون من أن يؤدي المشروع إلى تراجع التقدم المحرز في مجال حقوق المرأة والأقليات، وأن التركيز على إلغاء القيود التنظيمية يمكن أن يؤدي إلى أضرار بيئية، والتركيز على القضايا الثقافية والسياسية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الانقسامات المجتمعية.

الخلاصة

يمثل «المشروع 2025» رؤية محافظة تسعى إلى إعادة تشكيل المجتمع الأميركي. وعلى الرغم من أن مؤيدي المشروع يرون فيه حلولًا لمشاكل البلاد، إلا أن هناك مخاوف جدية بشأن آثاره السلبية، ولاسيما على النظام التعليمي والبيئة.

ففي مجال التعليم، يؤدي التركيز على القيم التقليدية والسيطرة المحلية والحلول القائمة على السوق إلى مخاوف من تراجع جودة التعليم، وخاصة بالنسبة للطلاب من الطبقة الفقيرة. كما قد يؤدي تقليص الإنفاق الحكومي على التعليم ونقص الموارد المخصصة لهذا القطاع إلى تدهور البنية التحتية للمدارس.

أما على صعيد البيئة، فإن إلغاء القيود البيئية وتشجيع النمو الاقتصادي دون قيود قد يؤدي إلى تفاقم مشكلة التلوث وتدمير الموائل الطبيعية وتسريع تغير المناخ.

باختصار، يطرح «المشروع 2025» رؤية مثيرة للجدل تحمل في طياتها مخاطر كبيرة على مستقبل الأجيال القادمة. فالتعليم والبيئة هما ركيزتان أساسيتان لمستقبل أي مجتمع، ولا يجوز التضحية بهما لتحقيق مكاسب قصيرة الأجل. بل لا بدَّ من السعي إلى إيجاد حلول توازن بين الحفاظ على البيئة وتحقيق التنمية المستدامة، مع ضمان حصول جميع الأفراد على فرص تعليمية منصفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن