من دفتر الوطن

دروب رسمت لخطواتنا!

| عصام داري

ندرك أن حياتنا رحلة طويلة نعرف بدايتها لكننا نجهل متى يسدل الستار علينا، لكننا في مشوارنا اليومي في متاهات هذه الحياة، وفي انتقالنا من عالم ضيق إلى عالم أضيق، نحمل في دواخلنا أحلاماً كبيرة بدقيقة حرية، وساعة راحة بال، ووردة شامية و«كمشة» ذكريات.

نضحك على أنفسنا أحياناً لأننا اكتشفنا أننا نكتب عن النظام في عالم فوضوي، وعن الحب وسط محيط من الكراهية والبغضاء، ونبحث عن الورود في رمال الصحراء.

كثيرة هي الروايات الرائعة، والقصائد العصماء، كتبت في بيت يشبه السجن، وأعرف كتّاباً وروائيين كتبوا عن البحر وهم بين أربعة جدران وفي جوف العتمة التي لا يخترقها إلا ضوء مصباح صغير لا يكاد يكفي إلا إلى رؤية رحلة القلم فوق بياض الصفحات.

عرفت كتّاباً سطروا روايات رومانسية وهم في مقهى شعبي يضج بالحركة والصراخ وأصوات النادل يصرخ، وتحطم «الكاسات» والفناجين، وأحجار النرد وهي تصطدم بخشب طاولة الزهر العجيبة، لكننا نغرق في أحلام الكتابة، ننسى كل هذا الضجيج الذي يمارس دور السياط وهي تهوى على ظهورنا وصدورنا، وقبل هذا وذاك على عقولنا التي نشعر بالجلدة تلو الأخرى وهي تمزقها.

ينسى كاتبنا المكان الذي هو فيه، وينسى الزمان، يتوقف التوقيت والتاريخ عند من امتهن الكتابة وقص الروايات والمسرحيات والقصائد، تتوقف عقارب الساعة لأن الكتابة تدون تاريخ الرواية، وقصة القصيدة، وبداية حب كان ذات ربيع هو زوادة ودواء، وكل الأحلام والحياة، فمن يمسك القلم يختار دروباً أخرى، ومسالك مختلفة، ربما يعتقد أنها ستؤدي إلى السعادة والفرح.

نستذكر من جديد متاهات الحياة، ضعنا في الدروب التي اخترنا السير فيها بملء إرادتنا، وبتنا ننتقل من عالم ضيق إلى أضيق، ومن دوامة تطحننا، إلى أخرى تفرم أحلامنا، وتأخذنا إلى البعيد البعيد لا نملك إلا حفنة من التراب ووردة شامية، وكمشة ذكريات، والكثير من الحب الذي يبقي قلوبنا تنبض، وأيادينا ترتجف عدما تلامس يد الصبية الآتية من ذلك الحلم البعيد الذي نحنّ إليه مهما مرت الأعوام، وتعاقبت الدهور.

نكتشف بعد فوات الأوان، ربما، أننا صرفنا من بنوك أعمارنا الكثير السنوات بين نومٍ وحلمٍ وكدٍ وجهدٍ وغضب وحسدٍ وكرهٍ، وكل هذه الصفات المذمومة المرافقة للإنسان من الولادة وحتى الممات، نكتشف أغلاطنا وأخطاءنا، وخطيئتنا الكبرى، لكننا لا نجد من يرجمنا، لأننا جميعاً خطّاؤون.

أعمارنا ضاعت بين كل التناقضات، وعندما وجدنا طريق الخلاص، أو ما نظن أنه كذلك، عرفنا أننا لا نملك خيار تصحيح ما فات، ولم يبقَ في العمر ما يكفي للسير على دروب جديدة ستؤدي إلى نهايات سعيدة كما يجري في الأفلام العربية والهنديةّ.

لكننا ماضون في دروب رُسمت لخطواتنا، وأماكن تم ترتيبها لنكون فيها، وننتقل من واحد إلى آخر حتى نهايات الزمان، كنا ننتظر المفاجآت، ويبدو أنه لم يبقَ الكثير منها، فقد تركنا «القهوة الي عالمفرق لعشاق اتنين صغار».. ومشوار جينا عالدني مشوار.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن