عملية «جسر اللنبي» لماذا أرعبت إسرائيل؟
| علي عدنان إبراهيم
لا بد أن تحديد العدو بجهة ما أو حصره بعدد معين من الجهات يعطي أريحية في مواجهته لكونه يصبح معروفاً، أما أن يخرج العدو من كل مكان متوقع كان أو غير متوقع، فهذه مشكلة يصعب حلها وتؤدي إلى حالة استنزاف مرهقة على المدى الطويل، وهو ما تعانيه إسرائيل اليوم وظهر بوضوح بعد عملية جسر الملك حسين أو جسر اللنبي كما هو متعارف عليه في الأوساط الإسرائيلية وهو الجسر الوحيد الذي يربط الأراضي الأردنية بالضفة الغربية ويخضع لسيطرة الجيش الإسرائيلي.
العملية التي نفذها شاب أردني، وهو التفصيل الأهم في كل ما سيأتي، أدت إلى مقتل 3 إسرائيليين واستشهاد المنفذ الذي أطلق النار على الإسرائيليين الثلاثة من مسدس حربي قبل أن يتلقى 20 رصاصة في الصدر، حتى إن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو الذي يُخبَر يومياً بمقتل وجرح عدد من جنوده في جبهات غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان وبإعطاب دبابات وجرافات عسكرية وإسقاط طائرات مسيرة ذات تكلفة خيالية، وصف الحدث بـ«اليوم الصعب»، لا لأنه أودى بحياة ثلاثة إسرائيليين بل لأنه وجّه صفعة غير متوقعة للكيان حيث يُعتبر الأردن مأمون الجانب بالنسبة لإسرائيل نظراً لاتفاقية وادي عربة التي تلتزم بها المملكة وتحافظ على بنودها كافة وخاصة فيما يتعلق بأمن السفارة الإسرائيلية في عمّان خلال التظاهرات التي شهدتها البلاد منذ بدء العدوان على غزة وكذلك أمن السياح الإسرائيليين وعبور البضائع وحتى الوقوف في وجه الصواريخ والمسيرات الإيرانية التي كانت في طريقها للأراضي الفلسطينية المحتلة في نيسان الماضي فتم إسقاطها في سماء الأردن.
وعلى الرغم من التقارير الإعلامية التي تحدثت عن الشهيد الأردني واصفة إياه بالهادئ والذي لم تبدُ عليه سابقاً أي إشارات تدل على نيته إنجاز عملية فدائية انتقاماً لشهداء غزة والضفة وانتصاراً للقضية الفلسطينية، فإن المشاهد القادمة من معان حيث أقيم العزاء للشهيد ماهر الجازي حتى قبل وصول جثمانه ليدفن، تظهر سعادة أهله بما أقدم عليه، مؤكدين أن هذا شرف للعائلة وهو تراث متمثل بمحاربة الإسرائيليين منذ عام 1948، ما يعكس حالة الصدع بين الحكومة الأردنية ومصالحها ورغبات الشعب الأردني وتعاطفه مع الأشقاء الفلسطينيين، ويؤكد أن عمليات كهذه قد تجد طريقها للتنفيذ مستقبلاً بأيدي أردنيين آخرين كما تم تنفيذ عمليات سابقة بأيدي مصريين على الرغم من قيود اتفاقية كامب ديفيد التي تحكم علاقة القاهرة بكيان الاحتلال، وخير مثال على ذلك العملية التي سبقت «طوفان الأقصى» بأربعة أشهر حين أقدم شرطي مصري على قتل 3 جنود إسرائيليين على الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة، وكذلك ضابط الشرطة المصري الذي أردى سائحين إسرائيليين ومرشدهما السياحي وهو إسرائيلي أيضاً في الإسكندرية بعد يوم واحد على انطلاق عملية طوفان الأقصى، ما حدا بحكومة الكيان إلى اتخاذ تدابير واسعة للحد من هذه العمليات ومن أثرها.
إلا أن الحد من هذه العمليات لا يكون إلا بتشديد الحصار الذي تمارسه حكومة نتنياهو على نفسها وتشتيت جهودها واستنزاف قدراتها لمراقبة ما يحدث وما يخطط ضدها في كل مكان من هذا العالم على اعتبار أنها لن ترضى بتجفيف الأسباب التي تدفع الشعوب العربية أو شعوب العالم المتضامنة مع الفلسطينيين للوقوف ضدها ومحاولة ضربها والانتقام منها في أي مكان أو زمان مناسب، وما قاله رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو تعليقاً على العملية «نحن محاطون بأيديولوجية قاتلة يقودها محور الشر الإيراني» هو صحيح في بعض مفرداته، فإسرائيل فعلاً محاطة بالكارهين الذين يأملون الانتقام منها وكسر يدها لوقف الإبادة الجماعية في غزة، والصحيح أيضاً أن إيران تدعم بقوة هذه الجهود وهو حق وواجب على دول المنطقة عموماً الذين سيكونون هدفاً للعربدة الإسرائيلية المدعومة أميركياً حال التخلص من غزة والضفة وجنوب لبنان بحسب المعتقد الإسرائيلي، وضرورة لا بد للمجتمع الدولي من التنبه لها ووأدها لأنها مثار للفوضى واللااستقرار على مستوى الشرق الأوسط والعالم بأسره.
هذا النوع من العمليات الذي يسمى بعمليات الذئاب المنفردة والذي مورس في الأراضي المحتلة بكثرة قبل عام من انطلاق «طوفان الأقصى» عبر عناصر فلسطينية دخلت بسلاحها شوارع أو مواقع إسرائيلية فأطلقت النيران وقتلت إسرائيليين قبل أن تستشهد، يعطي زخماً ودفعاً معنوياً كبيراً للمجاهدين في غزة والذين يقتربون من إتمام عام كامل من القتال في أصعب الظروف وبمواجهة قوة غاشمة لا توفر أي نوع من أنواع السلاح، حيث رحبت المقاومة الفلسطينية بعملية الشهيد الأردني كل على حدة، فقال أبو عبيدة المتحدث الرسمي باسم كتائب القسام: «مسدس البطل الأردني في نصرة أقصانا وشعبنا كان أكثر فاعلية من جيوش جرارة وترسانة عسكرية مكدسة»، وأضاف: «العملية تعبر عن ضمير أمتنا وعن مآلات (طوفان الأقصى) والكابوس الذي ينتظر الكيان الصهيوني»، وإشارة أبو عبيدة هنا إلى أن المستقبل القريب قد يشهد عمليات كثيرة غير متوقعة ومن جهات غير متوقعة ستضرب إسرائيل بعد أن هزت المقاومة في غزة كيانها ودفعتها لإظهار بشاعتها على مستوى العالم، كما أكدت حركة الجهاد الإسلامي في بيان أن عملية جسر الملك حسين «أصدق تعبير عن نبض الشعب الأردني والشعوب العربية والمسلمة تجاه مجازر العدو».
وباعتبار أن من يُقدم على تنفيذ عملية فدائية كهذه يعلم تمام العلم أنها ستكون اللحظات الأخيرة له في الحياة ويمضي إليها بقناعة تامة، ويلقى هذا التبجيل على مستوى الشارع العربي، وعلى اعتبار أن هذه العمليات تجري في منحنى تصاعدي بالضفة الغربية والأراضي المحتلة ممتدة أخيراً إلى الأردن، فلا ضير في القول إنها قد تكون بداية لموجة جديدة من المواجهة تستهدف إسرائيل وجبهة جديدة تفتح ضدها على مستوى المنطقة والعالم أيضاً.