«القيمة الجمالية والفعل الفني».. قراءة حديثة لواقع الكاريكاتور … رائد خليل: هو استفزاز للمخيلة لقول الجميل بحثاً عن معادلة الإدراك الحقيقي
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة السورية للكتاب دراسة بعنوان «القيمة الجمالية والفعل الفني- الكاريكاتور أنموذجاً» تأليف رائد خليل، تقع في 127 صفحة، وتقدم قراءة حديثة لواقع فن الكاريكاتور الذي يحوي نسيجاً متكاملاً من بنى شكلية تتكئ على معين الوقائع والأحداث فيطرحها في رؤى مختلفة، حيث يتمتع بعض فناني هذا النوع بحس ابتكاري منفتح على كل الاحتمالات التي تفسح لهم اختزال الواقع بتعبير شجاع يقوم على طرح فني مثير.
كما تبحث الدراسة في الرموز الدالة والأفكار المطروحة بفن الكاريكاتور الذي تكثر فيه الحالات التعبيرية التي تترك المجال لبوح متناسل من عمق بنية المفردات الشكلية المتجانسة مع ذاكرة الفنان، وتثير التساؤل التالي: هل التعبير عزف منفرد لنظرة أحادية غارقة في تأويلات فردية، أم هو سير على حافات رصيف المفاهيم الفنية المتعارف عليها؟
ويشكل الاستدلال والبحث في مضامين العمل الفني حالة من التحليل المنطقي إذ يركب ليخدم متطلباً ما، ويبدو أن العائد المعرفي يحتاج إلى مقدمات يقينية ومن دونها ينفتح اتجاه على طريق الغرق التأويلي والالتفاف في متاهة دائرة الاستنتاج غير المنطقي.
القيمة الجمالية
وفي البداية يتحدث الكاتب عن القيمة الجمالية للفن عموماً، فيوضح أن الفن جاء تحولاً قصدياً بعد سلسلة انعطافات محملاً ببطانة جمالية، ترجمها بعضهم ووصفها توصيفاً دقيقاً ليحملوا لنا مصطلحاً جديداً هو «الاستاطيقا» بمفاهيمه واستدلالاته، وبملاءات حداثوية بعيداً عن الكلاسيك.
ويبين أن الفن هو استفزاز المخيلة لقول الجميل بحثاً عن معادلة الإدراك الحقيقي والحكم على مفاصل العمل ضمن مجالات واسعة الطيف، ومع هذه الإحداثيات الفنية المتوالدة برزت نظرة فلسفية غيرت مفهوم الكلاسيك لتقف عند عتبات القراءة الحديثة للواقع، وهذا يعد نقلة مهمة في التخلص من رواسب القديم الثابت في بنيانه التشكيلي للانطلاق نحو عوالم الذات المنغمسة في قواميس التجديد والنزعة الرومانسية.
ويشير إلى أن الفن يحاول دائماً ملامسة الواقع بمثالية مطلقة تحفل بحساسية مفرطة فيها انطباع واستدلال وبحث عن القيمة الفنية متحرراً من قيود المقاييس القديمة وهيمنتها لقلب الصيغ المتوارثة ولتكون غرضاً لبناء مخيلة حديثة بأثواب جديدة.
الدلالات الرمزية
وفي حديثه عن العلاقات الرمزية وتجليات المعاني وفضائها يستشهد رائد خليل بحكمة كونفوشيوس التي تقول: «لا يمكن للمرء أن يحصل على المعرفة إلا بعد أن يتعلم كيف يفكر»، إذن هو سؤال الخلق الإبداعي أما الدواعي النفسية المرتبطة بالحاجات فهي التي تأخذنا إلى القول الرمزي المسربل بعواصف من المشاعر الموحية.
ويوضح أن الرمز هو مسلك ودلالات وخطاب غير مباشر بمعادلات غير محدودة الأبعاد، لهذا كل الأشكال التي نتعامل معها قابلة للصياغة والتلوين، بدءاً من الألف وصولاً إلى الياء، فكل اللغات والرسوم كانت وما زالت تشكل حلقات وصل بين الشعوب وهي حالة تمثيلية في المجالات كلها.
وفي هذا السياق يشير إلى قول «بودلير»: «إن المعرفة الجمالية نقيض المعرفة العادية، إنها معرفة رمزية، فإن غاب الرمز، غاب الفن»، ويؤكد خليل أن هذا القول يحتاج إلى تفكيك ثم إعادة بناء في فهم منظومة العلاقات الرمزية وفي أشكالها وإسقاطاتها وتأثيرها سلباً أم إيجاباً، وهناك من يرى فيها خطراً وتقييداً للمفهوم الجمالي.
القراءة الصحيحة
وفي دراسته يشير الكاتب إلى ضرورة القراءة الصحيحة للفعل الكاريكاتوري الحاضر، ويذكر: «إن قراءة المختزلات الفنية الصحيحة في العمل الكاريكاتوري تقودنا إلى شطب مفردات بالية مترسبة ومتراكمة لعناوين سابقة أطرت العمل، وسوقت مفاهيم مغلوطة، وارتكبت فعلاً منافياً للحقيقة، أصبح فيما بعد عرفاً، بل نهجاً أو مدرسة يستند إليها الكثير في تضميناتهم وتحليلاتهم».
ويؤكد أن القراءة الصحيحة تحتاج إلى تحرير الخطوط لتأخذ مساراً لا يخلو من الجدلية وطرح إشكاليات الإجابات المتعددة، لا تحتاج إلى تحرير الخطوط لتأخذ مساراً لا يخلو من الجدلية وطرح إشكاليات الإجابات المتعددة لا الوقوف فقط على ناصية قراءات الاحتمال.
ويبين أن إمعان النظر إلى عناصر العمل الأساسية ينشط فينا عادة قراءة العناوين العريضة واختزال النص وتخصيبه، ويظل الكاريكاتور شئنا أم أبينا، خشبة مسرح كبيرة بستائر تفتح لنا باب النظر من بعد، وبلورة صياغة حسية تأثيرية لا تخلو من الجرأة في ذر الملح على جروح متعددة التوصيفات.