نتنياهو والهروب شمالاً
| منذر عيد
يبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدأ بالانتقال في ساحات الحرب من مرحلة إلى مرحلة أخرى، انتقال من التلطي وراء حجج وذرائع لنسف أي اتفاق يفضي إلى وقف العدوان على غزة، وانسحاب قوات الاحتلال وإعادة الإعمار، إلى المجاهرة في الذهاب إلى حرب أوسع في المنطقة من خلال فتح جبهة الشمال مع حزب اللـه على مصراعيها، في إعلان صريح عن نيته تدمير جميع الجسور التفاوضية التي تسعى واشنطن، ظاهراً، لمدها بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل، وقطع جسور الحرب بين الأخيرة وحزب اللـه ودول محور المقاومة في المنطقة.
نتنياهو الذي أوصل المفاوضات بشأن قطاع غزة إلى حائط مسدود، وألقى بجميع أوراق وخطط الإدارة الأميركية في سلة المهملات، بدأ وأركان حرب حكومته بقرع طبول الحرب شمالاً، عقب إصابة نظرية «الأمن» الإسرائيلي بمقتل، بعد قيام أردني بقتل ثلاثة جنود إسرائيليين على معبر الكرامة الواصل بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والأردن، أول أمس، ليؤكد أنه أصدر تعليمات للجيش وقوات الأمن بـالاستعداد لتغيير الوضع في الشمال، ليكون ذاك القرار محاولة من نتنياهو للهروب إلى الأمام، في مواجهة جملة الضغوط التي تحيط به من الضفة الغربية وغزة والشمال، ومن الساحة الداخلية المتمثلة بموجة التظاهرات التي تطالبه بإبرام صفقة تبادل أسرى مع المقاومة.
الذهاب إلى حرب أوسع في المنطقة يبدو أنه ليس خيار نتنياهو فقط، بل إن ذات الخيار والرؤى جاءت على لسان مسؤول أمني إسرائيلي رفيع المستوى، حيث أعلن «أن الحملةَ العسكريةَ في لبنان تقترب رغم أن توقيتها لم يحدد بعد» وأن «الأوضاع بين حزب اللـه وإسرائيل تقترب من نقطة الانفجار»، ليتزامن ذلك كله مع تقارير إسرائيلية عن تقاطع سياسي، أمني، عسكري، داخل الكيان الإسرائيلي على وجوب إيجاد واقع جديد على الأرض عبر توسيع العمليات في اتجاه الشمال، وأن النقاش يتمحور حول التوقيت والمدى، هل قبل إعلان انهيار مفاوضات هدنة غزة أو بعدها، وهل قبل دخول الولايات المتحدة الأميركية مدار الانتخابات الرئاسية أو بعد العودة المحتملة للمرشح الجمهوري الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، وذلك بخلاف رؤية العضو السابق في مجلس الحرب الإسرائيلي بيني غانتس الذي أكد خلال مشاركته في منتدى نقاش حول الشرق الأوسط، الأحد الماضي في العاصمة الأميركية واشنطن أن «الحكومة الإسرائيلية تأخرت كثيراً في تحركها باتجاه الجبهة الشمالية، وأنه ينبغي الصعود إلى حرب في الشمال وضمان أن نتمكن من إعادة السكان إلى بيوتهم».
سعار قادة الكيان الإسرائيلي، وشهيتهم للذهاب إلى حرب إقليمية، بما تتجاوز جبهة غزة، دفع بالإدارة الأميركية إلى التريث في طرح رؤى وخطط جديدة بشأن المفاوضات، حيث نقلت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، عن مسؤولين في الإدارة، بأن البيت الأبيض أعاد النظر في تقديم مقترح أخير لمفاوضات غزة المتعثرة، مشيرة إلى أن جهود واشنطن تعرضت لنكسة و«انقلبت» مرة أخرى في الأيام الأخيرة، ما يجعل إنهاء الحرب مطلباً بعيد المنال ولن يحصل على الأرجح قبل مغادرة جو بايدن منصبه.
طبول الحرب تقرع في الكيان، لكن ليس بتلك البساطة الحديث عن الذهاب إلى حرب إقليمية، فالأمر يتعدى الرغبة في الذهاب أو موضوع اتخاذ القرار، فثمة العديد من الأسباب تجعل الأمر ليس بتلك السهولة التي يروج لها قادة العدو، وأهم تلك الأسباب، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي والجهاز الأمني مشغول على جبهات غزة والضفة وحتى داخلياً، كما أن حالة الجيش الإسرائيلي، المتهالك العدة والمتعب جراء عدوان طوال قرابة أحد عشر شهراً، غير قادر، أو مهيأ لخوض حرب قد تستمر أشهراً وأشهراً، إضافة إلى ثمة سبب رئيس وهو إقدام الاحتلال على خطوة بحجم إشعال حرب إقليمية بحاجة من دون أدنى شك إلى موافقة ودعم أميركي، وهو ما لا يمكن لواشنطن السماح به حالياً، وهي على أبواب انتخابات رئاسية، وانقسام داخلي يهدد وحدة الولايات برمتها.