نصيب الفرد من الناتج الإجمالي 3٫6 ملايين ليرة.. على ذمة المركزي للإحصاء: 60 ألف ليرة متوسط إنفاق الأسرة السورية يومياً في 2022
| محمد راكان مصطفى
انخفضت كمية استهلاك العائلة السورية من السلع والخدمات 81 بالمئة في عام 2022، مقارنة بما كانت تستهلكه في عام 2021 (وفقاً للأسعار الثابتة لعام 2000 بمعزل عن التضخم وأثره)، نتيجة ظروف الحرب والعقوبات والحصار الاقتصادي، في حين ارتفعت تكاليف المعيشته وفقاً للأسعار الجارية إلى أكثر من 101 تريليون ليرة، بحوالي 1920 بالمئة عن عام 2020 والتي كانت نحو 5 تريليونات ليرة، الأمر الذي أثر بشكل ملموس في المستوى المعيشي وفي ارتفاع مستويات الفقر في البلد.
إنفاق عائلي
وكشفت بيانات المكتب المركزي للإحصاء عن عام 2023 أن الاستهلاك النهائي العائلي التقديري في عام 2022 وفقاً للأسعار الجارية بلغ 101.7 تريليون ليرة، وعلى اعتبار أن عدد السكان بلغ 23.2 مليوناً نسمة، كما هو مقدّر في مكتب الإحصاء فإن وسطي إنفاق الفرد الواحد على الاستهلاك وفقاً للأسعار الجارية بلغ نحو 11968 ليرة سورية يومياً في عام 2022، في حين بلغ نحو 248 ليرة سورية في عام 2010، بنسبة نمو بلغت 4722 بالمئة.
وعليه فإن الأسرة السورية (بوسطي 5 أشخاص) أنفقت يومياً 59842 ليرة سورية على استهلاك السلع والخدمات، ما يعادل 1.795.252 ليرة وسطياً في الشهر.
المذهل هو كيف استطاع المواطن السوري زيادة إنفاقه على السلع والخدمات أمام الاستمرار في ارتفاع الأسعار والجمود النسبي في دخله؟! وهل يعتبر انخفاض مساهمة الدولة في الاستهلاك الخاص أن الحكومة سحبت يدها عن الدعم مع تجميدها الرواتب والأجور؟!
إنفاق حكومي
الإنفاق الحكومي على الاستهلاك في عام 2022 أيضاً شهد انخفاضاً بلغ نحو 45 بالمئة مقارنة بعام 2010، بالأسعار الثابتة (سنة أساس 2000)، في حين ارتفع الإنفاق وفقاً للأسعار الجارية خلال العام 2022 إلى 2412 مليار ليرة ما يعادل 539 بالمئة عما كان عليه خلال العام 2010 والبالغ 377 مليار ليرة، نتيجة ظروف الحرب والعقوبات والحصار الاقتصادي، والظروف الاقتصادية وتضخم الأسعار عالمياً.
ووفقاً لتقرير المركزي للإحصاء بلغ الإنفاق الاستهلاكي النهائي خلال عام 2022 نحو 104.114 تريليونات ليرة بمعدل نمو 4537 بالمئة عن عام 2010، وارتفع الإنفاق الحكومي البالغ 2.412 تريليون بمعدل نمو 539 بالمئة عن العام 2010، في حين نما الإنفاق الخاص البالغ 101.701 تريليون ليرة بمعدل نمو 5345 بالمئة عن عام 2010.
صافي الإنتاج
من جهة أخرى، بلغ صافي الناتج بتكلفة عوامل الإنتاج بالأسـعار الجارية 87.739 تريليون ليرة في عام 2022، وبلغ الدخل القومي بأسعار السوق 85.572 تريليون ليرة سورية، كما بلغ الناتج المحلي الإجمالي الصافي بسعر السوق 88.553 تريليون ليرة، ونصيب الفرد الواحد 3.6 ملايين ليرة، بنسبة نمو بلغت 2739 بالمئة.
في حين أن الميزان التجاري للسلع والخدمات (الصادرات من السلع والخدمات ناقصاً: الواردات من السلع والخدمات) بلغ -19.480 تريليون ليرة بمعدل تراجع بلغ 2126 56 بالمئة عن عام 2020.
حوالات
وكشف المركزي للإحصاء أن حجم التحويلات من الجارية من العالم الخارجي بلغ 11633 تريليون ليرة خلال عام 2022 بمعدل نمو بلغ 38 بالمئة عن عام 2021.
تراجع الإنفاق
أستاذ الاقتصاد في جامعة دمشق رسلان خضور فضل عدم الدخول بأرقام المكتب المركزي لعدم تأكده من دقتها، وفضل الحديث عن الواقع الفعلي للاقتصاد خلال عام 2022 حيث شهدت الأسعار ارتفاعاً بشكل كبير وتضخماً على الصعيد العالمي بنسب قد تصل إلى 30 بالمئة، ولكن خلال السنوات الماضية دخلنا محلياً بتضخم جامح، والرواتب والأجور ارتفعت ولكن بنسب متواضعة، وتفاوت كبير في توزيع الدخول والثروات، ومن الطبيعي أن يؤثر ذلك في الشريحة الكبرى من المستخدمين وألا تعود لديها القدرة الشرائية، وبالتالي تراجع الإنفاق الاستهلاكي الخاص وحتى إنفاق الحكومة.
وأضاف في تصريح لـ«الوطن»: وباعتبار أن حجم مستورداتنا كبير وكان انعكاس ارتفاع الأسعار العالمي مؤثراً، كل ذلك دفع المواطنين إلى الإنفاق باتجاه السلع الضرورية جداً، ويبقى الإنفاق على سلع الرفاهية مقتصراً على شريحة محدودة جداً مقارنة بعدد السكان.
وأشار إلى أن تواضع الدخول وانخفاضها أديا إلى تأمين المواطن السوري لاحتياجاته الأساسية، لافتاً إلى اضطرار الكثيرين للجوء إلى عمل إضافي، وإلى اضطرار البعض لبيع مدخراتهم وبيع مصاغهم أو حتى عقاراتهم أو من موارد أخرى حتى يستطيعوا إكمال حياتهم والحصول على الاحتياجات الأساسية.
ولفت إلى أن دعم المغتربين ساهم في مساعدة الكثيرين من السوريين أن يستكملوا متطلبات حياتهم ولو بمبالغ متواضعة قد تكون 100 دولار بالشهر ما أعطى فرصة ليحافظوا على جزء من قدراتهم الشرائية لعدد ليس قليلاً خاصة مع ازدياد عدد المغتربين.
ليس قراراً ولكنه سياسة
ورأى أن تحسين الوضع المعيشي ليس قراراً ولكنه سياسة تحدد كيفية إعادة توزيع الدخل والثروات من خلال الضرائب والإنفاق العام على المدى الطويل حتى يتحقق ارتفاع الدخل، معتبراً أن ضرورة ذلك ليس فقط لأسباب اجتماعية والحد من الفقر، وإنما لأسباب اقتصادية أيضاً لأن الاقتصاد يدخل في حالة ركود كامل في حال وجود تفاوت حاد بتوزيع الدخول، وبالتالي فإن المستثمرين لا يقدمون على الاستثمار.
وأكد خضور أن الاقتصاد السوري ورغم الحرب ما زال مستمراً بالإنتاج، وإن كان هناك بعض التغير عما كان عليه الوضع قبل الحرب التي لم تنته بعد، مضيفاً: ذلك رغم كل الدمار والخراب اللذين حدثا في المؤسسات العامة والخاصة، فإن السؤال ما نسبة الاستهلاك من المنتج المحلي معتبراً أن هذه هي المشكلة.
وقال: للأسف جزء كبير مستورد وذلك ناجم في جزء منه عن الحصار والعقوبات ولكن المشكلة الأكبر بالسياسات التي لا تحفز على الإنتاج والاستثمار، سواء الإنتاج زراعي أم الصناعي، إلى جانب العوامل الخارجية التي نعلق عليها مشكلاتنا.
وأضاف: الصعوبات موجودة ويجب البحث ما الإمكانات الموجودة لدينا بغض النظر عن العقوبات، وأن نتحايل عليها وهذا تم في بعض المجالات التي استطاعت الإنتاج وحتى التصدير وإن كان بشكل متواضع.
من جهة أخرى أصدر البنك الدولي تصنيفاً للدول العربية، استناداً إلى نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي، وحلّت سورية ضمن فئة الدول المنخفضة الدخل، في حين يبلغ نصيب الفرد وفق تصنيف البنك أقل من 1145 دولاراً سنوياً.
يشار إلى أن تقرير البنك الدولي عن الوضع المعيشي في سورية في القسم الخاص من التقرير تناول لمحة سريعة عن النتائج الرئيسية لتقرير رفاهية الأسر السورية، ففي عام 2022 طال الفقر 69 بالمئة من السكان، أي نحو 14.5 مليون سوري، وطال أكثر من واحد من كل أربعة سوريين في عام 2022، وقد ساهمت عدة عوامل خارجية، ولاسيما الأزمة المالية في لبنان عام 2019، وجائحة كورونا، والحرب في أوكرانيا، في زيادة تراجع رفاهية الأسر السورية في السنوات الأخيرة، واعتبر التقرير أن الأسر التي تعيلها نساء والأسر النازحة داخلياً، هي الأكثر عرضةً لمخاطر الفقر.