شؤون محلية

بماذا نبدأ؟

| ميشيل خياط

باتت الوزارة الجديدة التي نص عليها الدستور السوري بعد كل دور تشريعي جديد لمجلس الشعب، قاب قوسين أو أدنى من أن يجري تشكيلها وتبدأ ممارسة مهامها وذلك بعد تكليف محمد الجلالي بتشكيل الوزارة الجديدة.

ولعل السؤال المهم المطروح عليها وطنياً هو: بماذا تبدأ لتدير عجلة الحياة في سورية بقوة أكبر وسرعة أكثر، وما الإجراء الأهم الذي يوفر للسوريين حياة أفضل، وينأى بهم عن صعاب ثقيلة مزعجة تجثم على صدورهم؟.

لعل أول إجراء يعيد للحياة السورية -عافيتها على كل الصعد الاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والإعلامية والثقافية- زيادة الرواتب والأجور، استناداً إلى دراسات واستقصاءات وأبحاث الكثير من الجهات المحلية والأممية، والاسترشاد بها وغربلتها وإجراء مقارنات بينها وبين الواقع وإقرار أفضلها.

تشير أرقام المكتب المركزي للإحصاء في سورية «الوطن: 28/8/2024» إلى أن عدد المشتغلين في القطاعين العام والخاص هو 4.550.797 مشتغلاً، أي 20 بالمئة من مجموع عدد سكان سورية البالغ 23.2 مليون نسمة في العام 2022 حسب المصدر ذاته. «وهذا الرقم أكده الدكتور أكرم القش الأستاذ الجامعي وعميد المعهد العالي للسكان سابقاً ومدير عام الهيئة السورية لشؤون الأسرة والسكان سابقاً، في سياق مشاركته بورشة للإعلاميين أقامتها في دمشق مؤخراً المنظمة الإغاثية النرويجية «نورفاك».

ووثقت بيانات المكتب المركزي للإحصاء «الوطن 12/9/2024»، في سياق بحث ميداني، أن إنفاق الفرد السوري يوميا، بلغ 11968ليرة سورية أي إن أسرة مؤلفة من 5 أشخاص في سورية كانت تحتاج إلى 1.795.252 ليرة لشراء السلع فقط.

علماً أن هذا الرقم هو الأدنى بين كل الأرقام عن تكلفة المعيشة، ومع ذلك فإنه أقل بكثير من رواتب المتقاعدين والعاملين في القطاع العام «2.5 مليون»، التي تتراوح مابين 300 ألف إلى 500 ألف ليرة شهرياً مع التعويضات المختلفة.

وتتحدث الأرقام من المصدر ذاته عن نسبة بطالة «24 بالمئة » أي ما يقرب من 1.413.661 متعطلاً.

وترتفع نسبة الإعالة في سورية إلى ستة أشخاص للعامل الواحد.

إن بقاء الرواتب والأجور على هذه السوية من الانخفاض الشديد، يعني تفاقم كثير من المشكلات، وأفدحها على الإطلاق ضعف الإنتاج وتدنيه بسبب العجز عن الوصول إلى مكان العمل عندما لا يتوافر النقل المجاني وتراجع الإحساس بجدوى العمل، لعدم قدرته على تلبية متطلبات الزوجة والأولاد والاضطرار إلى العمل في مكان آخر واختصاص مغاير، مما ينهك العامل ويحرمه الإجازة، إلى جانب التأثيرات السلبية للفقر وتتبدى الآن في ارتفاع نسب الطلاق، وقد يكون سبباً في الجريمة كالسرقة عن طريق القتل.

إن هذه الواقعة موجعة تاريخياً، ومبهمة، بالمقارنة مع كثير من دول العالم، علما أنها كانت موجودة في سورية لعقود كثيرة ولم تشهد تغييراً ملموساً إلا لسنوات معدودة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم لتعود إلى سابق عهدها في سنوات الحرب الجائرة على سورية.

وفي اللحظة الراهنة فقدت الأجور معناها بصفتها توفر للعامل احتياجاته من الطعام والكساء والسكن والطبابة والتعليم والتدفئة والنقل، ولهذا يجب إيجاد حل سريع لإعادتها إلى دورها الأساسي في حياة العامل والمؤسسة والوطن.

ثمة على هذا الصعيد سؤال منطقي وبسيط جداً هو من أين يؤمّن القطاع الحكومي العام الزيادة المجزية المطلوبة، لحسم أكبر معضلة في حياتنا الاقتصادية الآن؟

سأقدم جواباً حازماً، لا علاقة له بكل الوصفات الناجعة كاستنهاض الصناعة العامة وإعادة تشغيل مصانع القطاع العام المهدمة، وتأمين مستلزمات الزراعة بشقيها النباتي والحيواني لإنتاج أفضل، وزيادة الصادرات وتوفير بيئة مشجعة على الاستثمار وعلى افتتاح مشاريع صغيرة بعيداً عن الممارسات غير المشروعة للمبتزين وتسريع التقاضي لأن المماطلة بالقضاء إلغاء للعدل….إلخ.

لن أتكىء على هذه الوصفات المكررة والمعطلة.

بحزم أقول للوزارة الجديدة القادمة، زيدوا الرواتب والأجور من الزيادات الهائلة التي طرأت على كل الخدمات الحكومية ومن الأرباح الهائلة لكثير من المؤسسات الحكومية، وقد كانت تقدم خدماتها مجاناً أو شبه مجانية (تاريخياً)، تماماً كالرواتب والأجور الضئيلة على مر الزمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن