الوطن تنشر أبرز آراء ومقترحات الجلالي قبل أن يتكلف رئاسة الحكومة … قرارات رفع الاتصالات يجب أن تترافق مع تحسين الخدمات والانتقال إلى خدمات الجيل الخامس
| جلنار العلي
في كل مرة يصدر فيها قرار جديد أو إحصائية جديدة أو حتى مشكلة تضاف إلى مجمل المشاكل التي يعاني منها السوريون، يستعان إعلامياً بخبراء وباحثين في مجالات مختلفة للتعليق على هذه المشاكل والقرارات والأرقام، وللاستفادة من آرائهم ومقترحاتهم حيال ذلك كل حسب تخصصه، وكان أبرز المجالات التي صرّح حولها رئيس الحكومة الجديد الدكتور محمد الجلالي لـ«الوطن» هما مجالي الاتصالات والعقارات لأنه دكتور في الاقتصاد الهندسي أولاً ولأنه كان وزيراً أسبق للاتصالات.
فلتكن البداية من قطاع الاتصالات، حيث رأى في تصريح سابق لـ«الوطن» أن خدمة الدفع الإلكتروني في سورية شهدت حالة من التطور بنسبة معينة وخصوصاً بالنسبة للأشخاص الذين لديهم حسابات مصرفية، ولكن تتمثل الإشكالية الأساسية للخدمة التي ستبقى قائمة لفترة من الزمن بعدم وجود حسابات مصرفية لقسم كبير من المواطنين، إضافة إلى عدم وجود فروع للمصارف في القرى والمناطق البعيدة، ناهيك عن تراجع دخل المواطنين ما ساهم إلى حد ما بعدم نجاح تطبيق خدمة الدفع الإلكتروني، مقترحاً توسيع القاعدة المصرفية في سورية بشكل كبير بحيث يكون هناك جرأة لدى المصارف بزيادة عدد فروعها وانتشارها في كل المناطق.
وحول قرارات رفع أجور الاتصالات التي يستهجنها الناس نظراً لسوء الخدمات المقدمة، فقد أكد الجلالي أن هذه القرارات يجب أن تترافق مع تحسين تغطية الإنترنت من شركات الخلوي وتحسين خدماتها المقدمة والانتقال إلى أجيال جديدة من الخدمات مثل خدمات الجيل الخامس التي أصبحت موجودة ومنتشرة لدى الدول المجاورة في وقت نجد فيه أن خدمات الجيل الرابع في سورية ما زال أداؤها سيئاً ولا تعمل بشكل جيد، مبيناً أن رفع السعر يستهدف الشريحة الأكبر من المواطنين الذين هم من ذوي الدخل المحدود، لذا يجب أن يكون هناك توجه لتحسين دخل المواطن الذي أصبح ضرورة ملحة.
أسباب موضوعية
ورأى أنه يوجد أسباب موضوعية لرفع أجور خدمات الإنترنت أبرزها التضخم وتدهور سعر الصرف، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية وغيرها بشكل كبير كما يستدعي ضرورة رفع أجور خدمات الاتصالات بهدف تغطية التكاليف الكبيرة، لذا من المفترض عندما توافق الهيئة الناظمة للاتصالات والبريد على رفع أسعار خدمات الاتصالات أن تشترط على شركات الاتصالات العمل على تحسين مستوى الخدمة المقدمة منها وإدخال خدمات جديدة.
كما كشف مؤخراً عن معلومات لمشروع لربط الإنترنت عن طريق أكبال «فايبر» في مدينة دمشق بهدف تحقيق سرعات عالية، وسيستخدم للشركات والمؤسسات وليس لمشتركي الإنترنت لأن تكلفة هذا النوع من الربط يعتبر مكلفاً للمشترك.
ملف الإسكان والعقارات
وفيما يخص ملف الإسكان والعقارات، رأى الجلالي في آخر تصريح له لـ«الوطن» أن التضخم الاقتصادي الحاصل وارتفاع تكاليف البناء يؤديان إلى العزوف عن الاستثمار الإضافي وعرض وحدات سكنية أو تجارية أو صناعية إضافية، وأن تدني القدرة الشرائية للمواطن يجعل السكن في المرتبة الثانية ضمن أولوياته، رغم أنه حاجة ماسة إلا أن حاجة الطعام والشراب اليومية تحتل المرتبة الأولى ضمن تلك الاحتياجات، مشيراً إلى أن تراجع معدلات الاستثمار يؤدي في طبيعة الحال إلى تراجع معدلات التنمية ما ينعكس على الدخل مستقبلاً.
وأيضاً، كان قد وصّف الجلالي حركة المبيعات في السوق العقارية بأنها تعتريها مشاكل في جناحيها وهما العرض والطلب، فعلى مستوى العرض المشكلة تتصل بأن الكثير من المقاولين لا يتمكنون من تحديد السعر النهائي لمنتجاتهم وبالتالي يتجه الكثير منهم للتحوط ورفع الأسعار لمستويات عالية، في حين على مستوى الطلب فالمشكلة تتصل بالعديد من العوامل أهمها حالة السيولة والتوجهات والإجراءات الأخيرة التي تصب في تخفيف معدلات السيولة ومنها سقف السحوبات اليومية من المصارف وهو ما ساهم في تراجع حركة النشاط الاقتصادي بالعموم ومنها النشاط العقاري.
وحول أسعار العقارات والأسباب المشاركة في زيادتها، كان قد صرّح الجلالي بأن الكلف غير الحقيقية في العقارات مثل العمولات وأجور المحامين وكلف الدراسات الهندسية والإشراف وغيرها تسهم في رفع أسعار العقارات بنحو 30 بالمئة في السوق المحلية ورغم أن مثل هذه التكاليف موجودة عالمياً إلا أنها لا تصل لهذا المستوى وهي عادة بحدود 10-15 بالمئة، وأن هناك حالة مضاربة واسعة في سوق العقارات (الشراء بقصد البيع) بهدف تحقيق هوامش ربح عالية وخاصة مع تراجع فرص الاستثمار في معظم القطاعات الأخرى، بسبب الظروف الاقتصادية العامة التي يمر بها البلد، ما يخلق حالة طلب غير حقيقية على العقار ويسهم في رفع قيم العقارات التي يجب أن يكون الهدف منها تأمين السكن بالمقام الأول.
كما سبق لـ«الوطن» أن توجهت للجلالي بسؤال عن رأيه بموضوع الادّخار بالعقارات كوسيلة يقوم بها الكثير من السوريين، فاعتبر حينها أن الآراء السائدة التي تقول إن العقار لا يخسر هي غير دقيقة، لأن سعر العقار يزداد مع ازدياد سعر الصرف بالفعل ولكن قيمته الحقيقية تصبح بالواقع أقل مع ارتفاع الأسعار عاماً بعد عام، فهو سلوك غير سليم اقتصادياً ويشير إلى عدم عدالة توزيع الثروة والدخل، مذكراً بالقاعدة الاقتصادية التي تنص على أن الأموال الفائضة عن الحاجة يجب أن تحوّل إلى استثمارات بأي مجال كان، ما يؤدي إلى تنمية الإمكانات المستقبلية للمجتمع.
فوضى الإيجارات
وحول فوضى إيجارات المنازل وإمكانية ضبطها، عبّر الجلالي عن رفضه عملية التسعير القسري للعقارات والإيجارات لأن ذلك سيؤدي إلى خلق سوق سوداء من خلال قيام الطرفين – أي المؤجر والمستأجر- بتنظيم عقود جانبية وإبرام اتفاق بين الجانبين لتحديد أجرة للعقار، فلا حاجة لعملية ضبط الفوضى في العقارات ما دام هناك أشخاص مستعدون لدفع أجرة أو سعر العقار.
وأيضاً كان قد نقل الجلالي ملاحظته لـ«الوطن» في أحد تصريحاته، التي تفيد بأن ظاهرة شراء المغتربين للعقارات تراجعت بسبب الأوضاع العالمية، فارتفاعات الأسعار ليست ظاهرة موجودة فقط في سورية وإنما هي ظاهرة منتشرة عالمياً، والمغترب الذي كان يقوم بالتوفير من دخله لغاية الاستثمار في العقارات في سورية أصبح معظم دخله يستخدمه لشراء مستلزمات معيشته اليومية، معتبراً في تصريح آخر أن سورية تعاني مشكلة دون غيرها من دول الجوار، تتمثل بعدم انتظام سوق العقارات ووجود أكثر من سوق لبيعها مثل سوق السكن العشوائي وسوق السكن المنظم وسوق السكن في الريف، ولكل سوق سعر يختلف عن السوق الآخر، لذلك هناك عقارات في منطقة المالكي على سبيل المثال أغلى من سعر العقار في لندن، كما أن أسعار العقار الواحد في المناطق الراقية التي لا تبعد أحياناً سوى عدة كيلومترات عن مناطق العشوائيات بإمكانها أن تكفي لشراء عشرة عقارات أو أكثر في مناطق العشوائيات، وهذه الظاهرة غير موجودة بأي دولة في العالم.
تنظيم عمراني
كما حصلت «الوطن» على بعض الاقتراحات المتعلقة بملف السكن، فيمكن التركيز على التنظيم العمراني بحيث تصبح كل المناطق متشابهة لإلغاء الفروقات بين المناطق، وإيجاد مشاريع تمويلية بعيدة المدى وتقديم تسهيلات من المؤسسة العامة للإسكان بحيث تكون مشابهة لما كان يحصل في السابق حيث يشتري المواطن منزلاً من خلال دفع 10 بالمئة من ثمنه وتقسيط الثمن الكامل على مدى عشرين عاماً أو أكثر، مؤكداً أن هذه المؤسسة أصبحت لا تغطي اليوم سوى نسبة قليلة من السوق، فلا بد من أن يشارك القطاع العام في التطويــر العقاري لتحقيق استقرار أكثر في السوق العقارية وتأمين الاحتياجات اللازمة وخاصة لغايات السكن، بكلف وأسعار مدروسة مع هوامش ربح مقبولــة وعدم ترك مساحة واسعة للمضاربة والتحكم في السوق من التجار والمقاولين.
ويمكن للحكومة الحد من استملاك أكثر من عقار وإمكانية ممارسة الدور التوجيهي لرؤوس الأموال، وذلك حسبما تقدم به الجلالي من مقترحات، فمعظم النظريات تقول إن الدول النامية لا تستطيع أن تتخلى عن دورها في عملية التنمية، لذا يجب على الحكومة أن تعزز بداية المناخ الاستثماري من خلال توفير بنية تحتية آمنة للاستثمار عبر منح بعض الصلاحيات بإدخال وإخراج الأموال بحرية أكبر، إذ يجب الابتعاد قليلاً عن الشعارات والإيمان بأن المستثمر هو شخص يهدف إلى الربح فقط، لذا فهو يحتاج إلى نظام مصرفي مناسب وحركة طيران مناسبة، ليشعر بأنه قادر على إخراج أمواله بحرية عندما تسمح له الفرصة، معتبراً أنه يمكن من خلال هذه البيئة أن يشهد الاقتصاد السوري استثمارات كبيرة ونهضة برؤوس الأموال.