في خطى محمد
| نصري سلهب
فلنصغِ إلى النبي يتكلم، موردين، بدورنا، ما أورده ابن هشام، عن ابن إسحاق، عن ملايين المؤمنين، عن الصحابة، حتى الينبوع نفسه: قال النبي صلى الله عليه وسليم
«فجاءني جبريل، وأنا نائم، بنَمَط من ديباج فيه كتاب، فقال: اقرأ، قلتُ: ما أقرأ. فغتّني به حتى ظننتُ أنه الموت.
ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلتُ: ما اقرأ؟ فغتني به حتى ظننت أنه الموت. ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: ماذا أقرأُ؟ فغتني به حتى ظننت أنه الموت ثم أرسلني فقال أقرأ. فقلت ماذا أقرأ؟ ما أقول ذلك إلا افتداء منه أن يعود لي بمثل ما صنع بي. فقال: «اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق. اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم علّم الإنسانَ ما لم يعلمْ». فقرأتها ثم انتهى فانصرف عنّي وهببت من نومي، فكأنما كتبتْ في قلبي كتاباً. فخرجتُ حتى إذا كنت في وسط من الجبل سمعتُ صوتاً من السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل. فرفعتُ رأسي إلى السماء أنظر، فإذا جبريل في صورة رجل صاف قدميه في أفق السماء يقول: يا محمد، أنت رسول الله وأنا جبريل. فوقفت أنظر إليه فما أتقدّم وما أتأخر، وجعلت أصرف وجهي عنه في آفاق السماء. فلا أنظر في ناحية منها إلا رأيته كذلك. فما زلتُ واقفاً ما أتقدم أمامي وما أرجع ورائي حتى بعثتْ خديجة رسلها في طلبي، فبلغوا أعلى مكة ورجعوا إليها وأنا واقف في مكاني ذلك. ثم انصرف عني».
ما أروع هذا الحادث وما أعظمه!
مواطنُ الروعة فيه كثيرة، ومواطن الِعظَم أكثر.
ولكن موطناً منها يستوقفني، بل يطربني، بل يهزّني، فيجعلني أؤمن بعظمة الإسلام وروعة رسالته.
أولى الآيات البينات، باكورة كلام الله إلى محمد، بل باكورة كلام الله إلى البشر أجمعين، كانت تلك الدعوة الرائعة إلى المعرفة، إلى العلم، عبر القراءة، لا القراءة العادية المألوفة، بل القراءة باسم الرب الخالق، ناشر المعرفة، موزع العلم:
«اقرأ باسم ربك»
أجل. أول كلمة نزلت على النبي العربي كانت أمراً من الله بأن يقرأ.
«اقرأ». قال الله لمحمد.
وقول الله هذا لم يكن لمحمد فحسب، بل لجميع الناس، ليوضح لهم، منذ الخطوة الأولى- بل منذ الكلمة الأولى- أن الإسلام جاء يمحو الجهلَ وينشر العلم والمعرفة، جاء يعلم الناس القراءة باسم ربهم الأكرم، ذلك الذي علّم الإنسان ما لم يعلم.