الكيان بين استنزاف المقاومة له ومضاعفاتها على مستقبله
| تحسين حلبي
من الحقائق الثابتة التي ولّدتها عملية طوفان الأقصى خلال عام تقريباً أنها فرضت جدول عمل المقاومة على عدة جبهات ومن دون أن يتمكن الكيان الإسرائيلي ولا حلفاؤه في الغرب من تغيير مواضيعه واستحقاقاته، وأصبحت المقاومة الموحدة هي التي تتوجه الولايات المتحدة حامية الكيان الإسرائيلي، إليها مرغمة، على التفاوض مع المقاومة لإيقاف حرب الاستنزاف التي شنتها على الكيان في الميدان العسكري في الأراضي المحتلة وفي الميدان الإعلامي في الساحة العالمية وفي ميدان احتمالات تزايد العداء المكشوف ضد الكيان في الساحة الإقليمية العربية والإسلامية وما يحمله من مضاعفات عملية.
وبعد عجز جيش الاحتلال عن إيقاف المقاومة وتمسكها بشروطها لوقف النار وإجراء تبادل للأسرى تبين جلياً أن المقاومة فرضت على الكيان دفع ثمن باهظ من الخسائر البشرية بين قتلى وجرحى من صفوف الجيش وإصابات وانهيارات نفسية بين المستوطنين، وتبين أيضاً أن كل أشكال وأنواع الخسائر التي سببتها المقاومة تفوق في مضاعفاتها وتأثيراتها الكارثية غير مسبوقة في الكيان مضاعفات الخسائر التي سببتها الجرائم الوحشية التي ارتكبها ضد المدنيين الفلسطينيين وممتلكاتهم ومدنهم في قطاع فهم مازالوا صامدين في أراضيهم وبين الدمار متمسكين بمقاومتهم في حين فر من المستوطنين إلى أوطانهم السابقة ما لا يقل عن مليون بموجب إحصاءات الكيان واعتراف رئيس حكومة الكيان السابق نفتالي بينيت الذي طلب من المستوطنين ألا يرحلوا.
وبلغة الأرقام قتل من الجنود والمستوطنين المسلحين في الفترة الممتدة من 7 تشرين الأول 2023 حتى 24 نيسان 2024 بعد اجتياح الفدائيين مستوطنات غلاف قطاع غزة وما تلاه من معارك بموجب ما نشرته مجلة «هاماخلول» الإسرائيلية في 24 نيسان 2024، أكثر من 1400 وذكر موقع معهد الأبحاث القومي الإسرائيلي في 24 آب الماضي أن 17141 من صفوف الجيش أصيبوا بجراح حتى آب 2024 وذكرت مجلة «ماكور ريشون» الإسرائيلية في 4 آذار الماضي بعد 150 يوماً على طوفان الأقصى أن 806 من الجنود قتلوا خلال ثلاثة أشهر وأصيب آلاف بجراح يضاف إليهم 1800 بصدمات نفسية تطلبت سحبهم من ميدان المعارك. ويكشف الموقع الإلكتروني الإسرائيلي «الصحة العامة» في الكيان بتاريخ 13 شباط الماضي أن «20 بالمئة من الإسرائيليين أصيبوا بهلع وبصدمات نفسية شلت قدراتهم نتيجة الحرب وما زالوا في مرحلة العلاج النفسي الطويلة»، ويذكر أن المستوطنين هم أوروبيون تعودوا نمط حياة تتطلب مراجعة الأطباء النفسانيين عند أي حالة ذعر أو هلع ولذلك تراهم عند سماع سقوط الصواريخ والقذائف قربهم يتحولون إلى مصابين بصدمة تخصص لها وزارة الصحة الإسرائيلي آلاف العيادات النفسية وآلاف الأطباء المختصين، ولا شك في أن حرب الاستنزاف التي تشنها المقاومة بشكل يومي طوال 11 شهراً زلزلت الحياة النفسية للجنود أيضاً وشلت الحياة الصحية والاقتصادية والتعليمية والاجتماعية للمستوطنين وهذا ما أكدته مجلة «زمان يسرائيل» في 28 آب الماضي حين أشارت إلى «وجود نسبة 40 بالمئة من البطالة عن العمل عند المستوطنين في شمال فلسطين المحتلة منذ عام 1948 إضافة إلى إغلاق معظم مرافق الاقتصاد ومؤسسات التعليم» بفضل الحرب اليومية التي تشنها المقاومة اللبنانية على جبهة شمال الكيان، ويعترف عدد من رؤساء المجالس الاستيطانية بأن حالة يأس بدأت تسود عند المستوطنين الذين فقدوا مداخيلهم وأعمالهم ولا يتوقعون حلاً قريباً لهذه الخسارة فيقرر الكثيرون منهم حزم حقائبهم والعودة إلى البلدان التي جيء بهم منها في أوروبا وأميركا وكندا حيث يلقون معاملة المواطنين من كل النواحي والضمانات الأمنية والاقتصادية، وهذا النوع من الخسائر التي تلحق الأضرار بالمستوطنين تجعل الكيان يفقد جزءاً مهماً من قوته البشرية والكفاءات والاستثمارات في حين يستمر صمود الفلسطينيين فوق خرائب بيوتهم وأراضيهم برغم المذابح، ويقاومون جيش الاحتلال بكل الوسائل دون أن تتسبب حرب الكيان لهم بأزمات نفسية ويأس وتفرض عليهم الرحيل، ورغم أموال الدعم التي تمنحها الولايات المتحدة للكيان بمليارات الدولارات لم تعد وزارة المالية والشؤون الاجتماعية في الكيان قادرة على الاستمرار بتقديم نفقات الفنادق التي وعدت بها المستوطنين الذين غادروا مستوطناتهم في غلاف قطاع غزة وفي الشمال إلى الفنادق بسبب سقوط القذائف، وبهذا الشكل أصبح نصف مليون مستوطن من هؤلاء سينفقون من أموالهم وهو ما يدفعهم إلى الرحيل إلى خارج الكيان من دون عودة.
في تاريخ كل حروبه لم يدفع الكيان ثمناً باهظاً مثل هذا الثمن الذي دفعه على كل أوجه الحياة من الخسائر البشرية إلى الفرار والهروب الجماعي إلى فقدان كل متطلبات الأمن الداخلي والضمانات على مستقبل وجوده في المستوطنات وأصبح سبعة ملايين ونصف المليون من الفلسطينيين داخل فلسطين المحتلة يقاومون ستة ملايين مستوطن ويشكلون الأغلبية على أرض الوطن كله في حين يفر المستوطنون بسبب حرب الاستنزاف هذه.