ثقافة وفن

الوزير والوزر

| إسماعيل مروة

تذكر الكتب قصص عدد من الذين فهموا حقيقة المسؤولية في الحياة وتهربهم من تولي القضاء والمسؤولية، مع أنها عرضت عليهم، لأنهم فهموا حقيقة المسؤولية، ومن جماليات اللغة العربية أن المعنى اللغوي هو الذي يُسبغ على المكان الوظيفي، بل إن الإعراب والإفصاح في اللغة لا يفهم إلا من خلال المعنى، ومع ذلك لا يلتفتون إلى المعنى اللغوي الأصل!

وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: «واجعل لي وزيراً من أهلي هارون أخي»، طلب ذلك ليكون عوناً ومؤازراً له.

وحتى لا أنعت بالسلفية والتغني بالسلف، فقد عدت إلى واحد من أحدث المعاجم اللغوية، وهو معتمد من جامعة الدول العربية لأنقل بالحرف:

(وزر الشخص: حمل ما يثقل ظهره وزر له: صار وزيراً عاونه وقوّاه)

ولأن المعجم حديث فقد تناول مفهوم الوزارة المنصب، ولكن إذا عدنا إلى المعاني التي اقتبستها بحرفها، فهي في المعنى الأول: حمل ما يثقل ظهره، فهي حمل ثقيل وعبء، من الأجدى أن يبحث المرء عمّا يخفف الأمور الثقيلة عنه، ولكن، هب أنها جاءته الوزارة منقادة ولم يسعَ إليها، وأن الوزير حُمّل أمراً عظيماً دون سعي منه، فهذا يعني بالدرجة الأولى أن يعمل بما يناسب ليكون الوزر خفيفاً، وأن يخفف الأعباء عن ظهره الذي ينوء بالأثقال التي لم يسعَ إليها!! ولكن الحال غير ذلك، فأكثر الوزراء لا ينتبهون إلى أن الوزارة وزر، وربما لم يشأ واحدهم أن يلتفت إلى المعنى، مع أنه يحاول تقمص مسوح الزهد، وأول علامات التخفف من الوزر التخفي، إذ يجب أن يكون المنصب هو البارز، وفي بلادنا وحدها اسم الشخص الذي يتولى المنصب يسبق المنصب، وإن جاء بعده كان بخط آخر ومميز، وكأن الموقع ملك شخصي له، وعندما يغادر سيجمع الإعلانات والبوسترات والدعوات ليحصي اسمه في أكبر عدد، وهذا ببساطة يعني أنه يجب أن يحاسب عن كل كبيرة وصغيرة، فهو وباسمه الصريح المسؤول، وليس الموقع وحده.. إذا كانت اللغة قد حررت واحدهم من حمل الوزر، والأصول والبروتوكول تلزمه بأن يحترم الموقع الذي هو ضيف عليه، فلماذا يسعى واحدهم إلى أن يحمل الوزر كله بأن يضع اسمه ولقبه قبل المنصب أو بشكل أكثر تميزاً من المنصب، وكأنه خلق مسؤولاً ووزيراً؟

ولماذا يسمح من جانب آخر بهذا التجاوز وفق البروتوكول بأن يكون اسم الشخص أكبر من المنصب، ويذكر كثيرون أن بعض المناسبات كانت مقررة، وقبل يوم أو أكثر، وربما في نفس اليوم حدث تغيير ما طال الشخص واسمه، فاضطر القائمون إلى تغيير بطاقات الدعوة لتلافي الأمر.. وقد يتطوع واحدهم الآن ليقول لي: هم الذين يطبعون ويصنعون ولا علاقة للمسؤول!! هذا ليس صحيحاً، فأي مناسبة أو رعاية أو ما شابه لابد أن تتم مراجعتها من حامل الوزر نفسه، وأعرف حالات زعل فيها المسؤول، ورضي على مضض، لأن اسمه الصريح لم يكن موجوداً وضمن برواز أنيق..

لا علينا.. الأمر غير مهم، والناس فيما يعشقون ذواتهم مذاهب، ولكن المعنى الأول للمسؤولية والوزارة تحديداً، هي حمل ما يثقل الظهر، فهل قدرنا هذا؟ وكثيرون جاؤوا للمواقع بوسائل نقل عامة، ولم يمض وقت طويل حتى غادروا، ولكن القليلين غادروا مثلما جاؤوا، فقد استطاعوا في مرحلة بسيطة أن يزيحوا الأثقال عن ظهورهم، وألا يشعروا بأي تأنيب ضمير، وضربوا عرض الحائط بالأحمال والأوزار، وضربوا الأرض بأقدامهم: نحن هنا.. من تحت أخمصك الوزر.. كما قال أبو تمام بصيغة أخرى..

وهذا كله بعيد عن المنظور الإيماني، وبأن المسؤولية لها ما ينتظرها في الآخرة، لأن أكثر المسؤولين وفي طليعتهم المتديّن له فتواه ورؤيته في التحليل والتحريم والإباحة.

أما المعنى الثاني، فهو صار وزيراً للحاكم ليعاونه ويقوّيه، فمهمته أن يحمل، وأن يعاون الحاكم ويقويه، لا أن يكون غير ذلك، فالمعاونة في حمل هموم الرعية كما قال عمر رضي الله عنه (أعينوني)، وتقوية مكانته في نفوس الناس وفي حياتهم، لا أن تكون مصالحهم فوق مهامهم، ولا أن تكون أسماؤهم تحاول أن تنافس وهي تتلطى بالحاكم.

التطور في فهم مسؤولينا وضع الوزارة حملاً من الناس وليس عنهم، ومشاركة للحاكم وليس عوناً، وتستثمر الحكاية المرتكزة على طمع وجشع، وحين يقرؤون الحكايات، حتى اللغوية منها، يضربون صفحاً عنها، وكأنهم غير مقصودين، ويعتمدون على أن الناس ينسون الإساءة، وبأنهم هم أنفسهم سيلوون عنق الحقيقة لمصلحتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن