أولى شظايا «الطوفان» تستقر في الأردن
| عبد المنعم علي عيسى
صممت القوانين التي تُجرى الانتخابات البرلمانية على أساسها في الأردن، شأنها في ذلك شأن العديد من التصاميم المعمول بها في المنطقة، بطريقة يصعب فيها على أي حزب أو تيار الحصول على الأغلبية المطلقة، والفعل يجد مبرراً له بكونه «ضرورياً لاستقرار البلاد»، فإن تستطيع قوة من القوى السيطرة على المشهد السياسي حالة من شأنها، أن تدخل البلاد في حالة من الشد والجذب ما بين تلك «القوة» وبين «السلطة»، وخصوصاً إذا ما ذهبت الأولى نحو حال من التناغم مع الأحداث الجارية في محيطها، لكن «التصاميم»، على دقتها، لا تستطيع الحؤول دون إفراز مؤشرات تكشف في مضامينها عن أن لوحة جديدة كانت ستظهر فيما لو لم تكن «مراس» التصاميم مشدودة بتلك الحدة.
حملت الانتخابات النيابية الأردنية، الحاصلة يوم 9 أيلول الجاري والمعلن عن نتائجها بعد يومين على انتهائها، مفاجأة من العيار الثقيل، وإن كانت متوقعة لكن ليس بهذا الحجم الذي جاءت عليه، فقد حازت «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع السياسية لتنظيم «الإخوان المسلمين» على 31 مقعداً من أصل 138 مقعداً هي العدد الكلي لمقاعد البرلمان، أي ما نسبته 23 بالمئة، وفي التفاصيل التي ذكرتها «الهيئة العليا للانتخابات» جاء أن عديد الذين اقترعوا لـ«الجبهة» كانوا عند 464 ألف صوت من بين مليون و600 ألف صوت هو إجمالي عدد المقترعين، فيما حصل حزب «الميثاق الوطني» الوليد، والذي يصنف بأنه الأقرب للموقف الرسمي، على 93 ألف صوت ليحل في المرتبة الثانية، أما باقي الأصوات فقد توازعتها الأحزاب العشرة التي استطاعت تخطي «العتبة الانتخابية» التي وضعتها قوانين الانتخابات عند 41 ألف صوت فما فوق، وبذا يكون المؤشر الأهم، الذي قذفت به تلك الانتخابات، هو الأول الذي يشير إلى صعود وتثاقل، «المد الإسلامي»، الأمر الذي لم يحصل في الأردن، منذ انتخابات 1989، مع لحظ حال من التباين في الظروف والمعطيات فيما بين التجربتين، ففي الأولى كان «الصعود» نتيجة لهشاشة التركيبة البنيوية للأحزاب التي استولدتها السلطة، والتي كان الهدف الأساسي منها هو «تحديث» القبضة على الشارع وفقاً للمبادئ التي وضعتها «اللجنة الملكية» آنذاك، وفي الثانية كان «الصعود» أشبه بـ«الصدى الارتدادي» لزلزال غزة الذي بات على مشارف ذكراه السنوية الأولى.
كان من المؤكد أن شظايا «طوفان الأقصى» سوف تتناثر في أرجاء المحيط فتصيب البنى المجتمعية والسياسية المحيطة بفلسطين، كما كان من المؤكد أن تكون «الإصابة» بدرجة أشد في البنية المجتمعية والسياسية للأردن، وذاك عائد لشدة التشبيك الحاصلة ما بين الأردن ونظيرته فلسطين، فعلى الرغم من عدم وجود إحصائية رسمية دالة على الخريطة الديموغرافية للأردن، إلا أن العديد من الدراسات تقول إن الأردنيين من أصل فلسطيني يمثلون نسبة قد تزيد على النصف في مقابل الأردنيين، وللفعل حمولاته التي تجعل من التركيبة كلها «واد» يتردد فيه الصدى الصادر عن الضفة الأخرى لنهر الأردن، فكيف والأمر إذا ما كانت فلسطين تشهد أزمة هي الأشد من نوعها منذ «نكبة 1948»؟ ثم كيف إذا ما كانت «حماس» قد نجحت في «تصدير» الأزمة إلى دواخل كيان، كان الظن أنه تخطى مرحلة الخطر حتى بات اعتقاده أن «الجذور» قد تعمقت لدرجة لم يعد يخشى معها صعوبة في امتصاص «الماء» اللازم للديمومة والاستمرار؟
قد يكون ما جرى مقدمة لتحولات أكبر، بمعنى أن يشهد التمدد «الإخواني» بالأردن تمددات أعلى وأثقل، والظاهرة إن حدثت فقد لا يكون مهماً هنا «التصاميم» التي تجرى على أساسها الانتخابات، حيث سيضطر القيمون عليها إلى تغييرها بالتأكيد، على الرغم من إدراكهم للمحاذير المتأتية عن خطوة من هذا النوع، إذ لطالما كانت الآليات الناظمة لعمل هؤلاء تقوم بالدرجة الأولى على «الاحتواء» ثم توسعة الجدران إذا ما ضاقت السابقة منها، فـ«الإخوان» الأردنيون استطاعوا هذه المرة تحقيق اختراقات وازنة في نسيجي العشائر والبدو، والمؤكد أن ذاك مؤشر مهم في مجتمع تقوم تركيبته الأساس على ذينك النسيجين، والراجح هنا أن يقدم ذلك، جنباً إلى جنب الفوز بنحو ربع مقاعد البرلمان، مؤشراً على استعادة «الإسلام السياسي» لعافيته بعد سلسلة من النكسات التي مر بها في تونس ومصر وسورية بدءاً من العام 2011 فصاعداً، ومن الجائز القول إن صورة «حماس» التي ظهرت عليها منذ 7 تشرين الأول المنصرم، كانت قد أعطت «الإسلام السياسي» زخماً ساهم في استعادته لعافيته، وعبر الصورة الجديدة، تمزقت القديمة التي تولدت بفعل اتهامات كانت كثيراً ما تسم الحركة بـ«الذراع الإقليمية» الخادم لمشاريع خارجية، لتؤكد الصورة الجديدة على منحى بالغ الأهمية لـ«الإسلام السياسي» يزرع في الأذهان صورة مبتداها، ومنتهاها، هو فلسطين، فهل تصح الرؤية هذه المرة، أم ستكون هذه الصورة سحابة صيف؟!.
كاتب سوري