سلاح الكلمة!
| عصام داري
نبحث عن فردوسنا المفقود، نبدأ من ذواتنا، من أنفسنا، نبحث عن شخص، أو مؤسسة، أو أي شيء سرق منا الأحلام وصادر حقنا حتى في أن نحلم، فالحلم صار رفاهية تُفرض عليها الرسوم والضرائب!.
نفتش عن حب ذبلت أزاهيره، فلا نحصد إلا الأشواك والمرارة في زمن هجمت فيه الكراهية على المحبة، وطغى السواد على كل ألوان الحياة، وصار الجمال محبوساً في أقفاص من ذهب!.
لكن صبرنا وإيماننا بالغد الآتي على فرس وردية يؤمنان لنا العبور الآمن للمستقبل الذي يكاد يشبه الفردوس، وربما أحلى وأكثر بهجة وإشراقاً.
الحب ستتفتح أزاهيره من جديد والشمس ستعاود إشراقتها كل صباح، والقمر سيرسل نوره ليضيء دروب العشاق، رغم موجات الحقد الأسود وقتلة العصافير والأحلام.
نخلو إلى أنفسنا للحظات معدودات في سعينا للبحث عن المفقود من حياتنا، فهذه اللحظات ملكنا وحدنا ولا يجوز الاقتراب من خطوطنا الحمراء والزرقاء والملونة، هي لحظة حرية نسرقها من الزمن وغدره، قد تكون مخصصة للتأمل، للرسم، للموسيقا والشعر والأدب، أو للحب، والحب يعشق السرية ويكره الإباحة والنشر، لكنها لحظة لنا وحدنا، فلا يبخل أحد علينا بها.
لكل منا أسراره، قد تكون تافهة أحياناً، وعميقة أحياناً أخرى، لكنها تبقى أسراراً على الآخرين أن يحترموها بمقدار رغبتهم باحترام خصوصياتهم وأسرارهم.
لا أمتلك في هذه الحياة سوى الكلمة، والكلمة سلاح يجرح، وترياق يداوي، هي درب إلى قلوب الناس، وسهام مسمومة توجه للصدور والظهور.
بالكلمة تبدأ قصة حب، وتبدأ حرب، والإنسان في كلتا الحالتين هو نفسه الذي يستخدم الكلمة، ويوجهها نحو الخير أو الشر، فيصنع الحب، أو يخوض الحروب، ومعروف أن النفس البشرية تتكون من الخير والشر معاً، لكن الاختلاف يكون بالنسبة، لمصلحة من تميل كفة الميزان؟ نحو حب وخير وعدالة وسلام وإشراق، أم نحو حقد وبغضاء وشر وظلم وحرب؟.
تلك هي المشكلة يا شكسبير، أن نكون أو لا نكون، إما في صف الخير والمحبة، وإما في جبهة الحروب والكراهية، وعلينا نحن أن نختار.
لكن مشكلة المشاكل أن الظلم يقع علينا دائماً، عندما يفرضون الحروب ويؤججون الكراهية والبغضاء، نظلم مرتين، مرة لأننا نتعرض لهجومهم الكاسح، ومرة لأننا خسرنا رهاناً في معركة طويلة عنوانها الخير، لكننا لم نخسر المعركة دفاعاً عن القيم والمثل النبيلة، وعن الحب، وبقية المشكلة تكمن في أننا لا نملك حق تقرير الحرب أو وقف إطلاق النار، ونتقبل الموت على كل الجبهات بسعة صدر ورضوخ تام.
مع ذلك لا نتخلى عن حروبنا الصغيرة بحثاً عن عدالة مفقودة وحب ضاع في متاهات السنوات، فعلى الرغم من كل السحب السوداء والقلوب الأكثر اسوداداً، ورايات سوداء تحمل الموت لبني البشر، على الرغم من كل أحزان وآلام الكون التي استوطنت بلدنا وحياتنا، لن نرفع الرايات البيضاء، وسنظل نحلم بالحب والعيش والحرية، لأننا باختصار صُنَّاع حياة.