كيف شكلت الصدمات الأسرية الموروثة شخصياتنا؟ … عدم قدرتنا على توضيح ما يحدث لنا هو نوع من التعبير عن التراكم في الصدمة
| مايا سلامي
صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب وضمن المشروع الوطني للترجمة، دراسة بعنوان «لم يبدأ الأمر معك- كيف شكلت الصدمات الأسرية الموروثة شخصياتنا»، تأليف مارك وولين، ترجمة رنيم محمود يوسف، ويبحث الكتاب في آثار الصدمات التي يمكن أن تنتقل من جيل إلى الجيل الذي يليه، إن هذا الميراث هو ما يعرف بأنه الصدمة الأسرية الموروثة، وتشير الأدلة التي ظهرت مؤخراً إلى أنها ظاهرة حقيقية للغاية إذ إن الألم لا يتحلل دائماً من تلقاء نفسه أو يتلاشى مع مرور الوقت، حتى في حال توفي الشخص الذي عانى من الصدمة الأصلية حتى لو غابت قصته، أو قصتها، وغمرت في سنوات من الصمت، إلا أن من الممكن أن تعيش أجزاء من التجربة الحياتية، والذاكرة، والإحساس الجسدي كما لو كانت تتواصل من الماضي من أجل العثور على حل في أذهان وأجسام أولئك الذين يعيشون في الوقت الحاضر.
يركز جزء كبير من هذا الكتاب على تحديد أنماط الأسرة الموروثة- المخاوف والمشاعر والسلوك، التي اعتمدناها من دون علم، وتبقي حلقة المعاناة في قيد الحياة من جيل إلى جيل، إضافة إلى تركيزه على كيفية إنهاء هذه الحلقة التي تعد جوهراً عملياً.
وتستند الدراسة إلى قصص الأشخاص الذين عمل معهم المؤلف في ورش العمل والدورات التدريبية، والجلسات الفردية التي تخصه، وتفاصيل الحالات الحقيقية إنما لحماية خصوصياتهم عمد إلى تغيير أسمائهم وخصائص تعريفية أخرى تتعلق بهم.
إعادة تمثيل الصدمة
وفي البداية يتحدث الكاتب عن الصدمات التي فقدت وعثر عليها لاحقاً في شخصيات الأفراد، ويقول:«إن من السمات الموثقة توثيقاً جيداً للصدمة، وهي واحدة مألوفة لدى كثيرين، هي عدم قدرتنا على توضيح ما يحدث لنا، إننا لا نفقد كلماتنا فحسب، بل يحدث شيء ما في ذاكرتنا أيضاً خلال حادث مؤلم، تصبح عمليات التفكير لدينا مشتتة وغير منظمة بطريقة لا يعود معها في إمكاننا تعرف الذكريات بأنها تنتمي إلى الحدث الأصلي. بدلاً من ذلك يجري تخزين أجزاء من الذاكرة شتاتاً كالصور، والأحاسيس الجسدية، والكلمات، في اللاوعي الذي يخصنا، ويمكن أن تنشط لاحقاً من خلال أي شيء يعيد إلى الأذهان التجربة الأصلية ولو حتى عن بعد، ما إن تثار يبدو الأمر كما لو جرى الضغط على زر إرجاع غير مرئي، ما يتسبب في جعلنا نعيد تمثيل جوانب من الصدمة الأصلية في حياتنا اليومية».
ويبين أن فرويد عرف هذا النمط منذ أكثر من مئة عام مضى، وسماه إعادة تمثيل الصدمة أو «التكرار القهري»، وهو محاولة اللاوعي إعادة ما لم يتم حله، إن هذا الدافع اللاوعي من أجل إعادة عيش أحداث ماضية قد يكون إحدى الآليات التي تعمل عندما تكرر الأسر الصدمات التي يتم حلها في الأجيال التالية.
التاريخ الأسري المشترك
يوضح وولين أن التاريخ الذي تتشاركه مع أسرتك يبدأ قبل حتى أن يحدث الحمل بك، في شكلك البيولوجي الأولي كبويضة غير مخصبة، فإنك تتشارك بالفعل مع والدتك وجدتك بيئة خلوية، لما كانت جدتك حاملاً بأمك في خمسة أشهر، كانت الخلية السالفة للبويضة التي تطورت أنت منها موجودة بالفعل في مبيضَي والدتك. يعني هذا أنه حتى قبل ولادة والدتك، كانت والدتك، جدتك، وكل الآثار الأولية التي تخصك في الجسم عينه، أي ثلاثة أجيال تتشارك البيئة البيولوجية نفسها.
ويشير إلى أنه بعض العلماء يعتقدون أن مورثات والدينا صاغت المخطط الذي خلقنا منه، وأنه مع القدر الصحيح من التوجيه والتغذية سوف نتطور بسلاسة وفقاً للخطة. ونعلم الآن أن مخططنا الوراثي هو نقطة البداية فحسب إذ تبدأ التأثيرات من البيئة، منذ وقت يرجع إلى فترة حدوث الحمل، في تشكيلنا عاطفياً ونفسياً وبيولوجياً، ويستمر هذا التشكيل طوال حياتنا.
دور الكلمات
وينوه وولين في دراسته بالكلمات التي نستخدمها في وصف همومنا وكفاحاتنا بالكشف عن أصل مخاوفنا، حيث ستكون الشكوى الأساس هي نقطة التوقف الأولى التي تخصنا، إذ يمكن أن تكون بمنزلة صندوق كنز من الثروة غير المفحوصة، ويمكن أن تحتوي شكواك الأساس على بذور الحل الذي تسعى إليه.
ويبين أن ابتغاء سماع الشكوى الأساس في لغتنا اليومية فإننا نبحث عن الخيط الأكثر عمقاً للمشاعر في نسيج الكلمات التي نتحدثها. ونستمع بحثاً عن الكلمات التي تحمل أقوى صدى عاطفي فيها.
ويشير إلى أنه في بعض الأحيان يكون ثمة خوف يبقينا أسرى، أو تكون هناك رمزية ملحة لشيء ما يجري السؤال عنه أو طلبه، أو يكون ثمة ألم كبير فحسب.