ثقافة وفن

الثقافة الشعبية وظهورها في وسائل النقل … ما مقدار التلوث البصري والثقافي الذي تسببه ظاهرة كتابة العبارات لمستقبلها؟

| مصعب أيوب

ما إن تقف اليوم في مكان ما منتظراً وسيلة نقل عامة حتى تلفتك الكثير من العبارات والجمل على زجاج المركبات الأمامي والخلفي وربما على الهيكل أيضاً وفي مناطق متفرقة من جسم المركبة، وإن كنت مواظباً على هذا الانتظار أو تحتاج لاستعمال وسائل النقل العامة بصورة دورية ويومية فإنك ستتمكن من تمييز هذه المركبة من تلك من خلال ما تقرأه عليها من جمل.

فيعبر أصحاب المركبات عن شخصياتهم بما يكتبون أو ربما تكون هذه العبارات بمنزلة حكمة وعبرة استقاها الرجل من تجربة حياتية ما.

منبر للبوح

بعض تلك العبارات ذات طابع ديني فيه لفظ الجلالة أو ربما دعوة للاستغفار وما إلى ذلك، وبعضها الآخر ترفيهي يحمل الكثير من الكلمات الفكاهية «لا تلحقني مخطوبة»، «بس أكبر بفرجيكن»، «هدف حياتي طلع تسلل»، وبعضها يندرج ضمن فنون الأدب والكتابة الشعرية والنثرية «إذا رأيت نيوب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم»، وبعضها يحمل قيماً اجتماعية مهمة ويحث على الخصال الحميدة «الحلم سيد الأخلاق»، «التربية الخلقية أهم للإنسان من خبزه وثوبه»، وبعضها تحذيري يطلب منك توخي الحيطة بتحركك تجاه مركبته «اترك مسافة أمان»، «تمهل.. طلاب مدارس»، وهي التي كانت متداولة سابقاً أو ربما كانت العبارات على المركبات تقتصر على هذا النوع من الجمل، إلا أن السائق اليوم بات يجد لنفسه متنفساً من خلال ما يكتبه ويسجله على مركبته، ليخبر من خلالها من حوله بشعور ما أو حكمة أو نصيحة وما إلى ذلك معتبراً بذلك أن مركبته هي المنبر الذي من خلاله يصل إلى قلوب الآخرين.

واقع مغاير

كما يلفتك بعض تلك العبارات التي تكون أحياناً مغايرة لواقع وحال السيارة وصاحبها، فمثلاً ترى عبارات على سيارة حديثة وثمينة يقودها شاب تظهر عليه ملامح الترف «مفلس.. عايف حالي»، على حين ترى على سيارة أخرى قديمة ويزيد عمرها على 50 عاماً ولم توفر اصطداماً أو معتركاً إلا وخاضته عبارات مغايرة مثل: «الملكة- ست الحلوين- صاحبة السيادة»، وربما وضع الرجل اسم وشعار ماركة سيارات عالمية وشهيرة على سيارته بعيدة تماماً عن نوع وماركة سيارته.

وجهات نظر مختلفة

يعتبر أحمد عثمان وهو سائق ميكرو على أحد خطوط ضواحي دمشق أن هذه العبارات هي للفكاهة فحسب وهي لا تخدش الذوق العام ولا يظن أنه تسيء لأحد، وهو ما أيده فيه زميله محمد الفحل مؤكداً أن كثيراً من تلك العبارات ذات طابع ديني وتدعو إلى الأخلاق الحميدة، كما اعتبر أن طبيعة مجتمعاتنا وما تعانيه الناس اليوم أوجد لدى الجميع حاجة للكلام والتعبير وهو ما جسده هؤلاء الأشخاص بالكتابة على مركباتهم، ولكن محمد نادر لا يوافقهما في ذلك، مؤكداً أن كثيراً من السائقين راحوا يتجهون نحو السوقية واستخدموا عبارات لا يحب أحدنا أن تقع عليها عين إحدى قريباته لما تحمله من معان مخجلة، داعياً شرطة المرور إلى التركيز في فحوى هذه العبارات ومحاسبة من وضعه وإلزامه بنزعها.

على الجانب الآخر يرفض حسن عبدالله مالك سيارة خاصة فكرة الكتابة على السيارات معتبراً أن السيارة يجب أن تبقى بجمال تصميمها وألوانها، ولاسيما أن هذه العبارات ربما لن يقرأها أحد وإن وجد فلن يلقي لها بالاً ولن يتوقف عندها، ولا بد من مراعاة أن جسم السيارة ليس لوحة جدارية أو حائطاً لتعليم الدروس، ليخلص في ختام حديثه بأن هذه الظاهرة غير حضارية، مضيفاً إن كثرة العبارات والاكسسوارات التي راح السائقون يضعونها على مركباتهم قد تتسبب في حوادث مرورية للبعض بعد أن يركز السائق في عبارات المركبات القريبة منه في الطريق أو التي أمامه.

ولا يكترث عبدالله الرفاعي وهو صاحب محل لبيع زينة وإكسسوارات السيارات لما تحمله هذه العبارات، فما يعنيه أن يبيع منتجاته ويحسن دخله، ولكن بالطبع لن يقبل بعبارات مخلة بالآداب ومشينة أو مؤذية وما إلى ذلك، فيقول: يقصدني الكثير من سائقي تكاسي الأجرة يومياً، وغالباً يطلبون عبارات باتت شائعة ومتداولة، وهي متوافرة بكثرة ولكن بعض سائقي السرافيس يطلبون عبارات مختلفة بعض الشيء، وهي تحتاج إلى وقت لتحضيرها وفي الأغلب تحمل تلك العبارات مشاعر الحب والانكسار من لوعة الفراق وبعض صور الخيانة وما إلى ذلك، ومهما غالى هؤلاء في طلبهم هذا فلن تخدش عباراتهم الحياء والذوق العام.

ويؤكد الرفاعي أن هؤلاء الأشخاص يعتبرون هذه العبارات التي تنضم إلى نوعية الزينة لبدن السيارة تضفي جمالية معينة عليها وبذلك يجذبون الأنظار إليها ويستعرضون من خلالها أمام الناس.

أسباب متنوعة

وحول ذلك يؤكد سليمان كاسوحة أستاذ علم النفس والتواصل في جامعة دمشق، أن الناس تكتب عبارات على السيارات لأسباب متنوعة، منها:

التعبير عن الذات: تعتبر السيارة امتدادًا لشخصية صاحبها، وكتابتها تعكس اهتماماته، هواياته، معتقداته، أو حتى الفكاهة لديه.

الدعاية والإعلان: تستخدم الشركات والمحال التجارية السيارات وسيلة متحركة للإعلان عن منتجاتها أو خدماتها، ما يزيد من وصولها للجمهور.

الدعم والتأييد: يكتب البعض عبارات لدعم فريق رياضي معين، أو قضية اجتماعية، أو شخصية عامة، لإظهار انتمائهم وموقفهم.

الترفيه والفكاهة: قد تكون العبارات مجرد نكتة أو تعليق طريف لإضفاء جو من المرح على الطريق وإثارة ابتسامة المارة.

التذكار والنصح: قد تكون العبارات عبارة عن تذكير بقيمة أو مبدأ معين، أو نصيحة موجّهة للسائقين الآخرين.

ويتابع: تختلف دوافع كتابة العبارات على السيارات من شخص لآخر، ولكنها جميعاً تعكس رغبة في التواصل والتعبير عن الذات بطريقة مرئية ومؤثرة.

فخلف كل سلوك حاجة معينة، وباختلاف طرق تلبية الحاجات تختلف العبارات وتتنوع، وقد تشير العبارات إلى الحاجة للتعبير عن الانتماء لجماعة معينة.

أو الأمان بكتابة عبارات دينية
او الترابط.. من خلال عبارات… للمزاح والفكاهة.
لذلك من المهم فهم الحاجة وراء كل عبارة.
بشكل مختصر، هي تعبير عن الذات بشكل علني.

تحليل للظاهرة

كما يؤكد كاسوحة أنه لم تكن هناك دراسات أكاديمية مكثفة تركز بشكل خاص على الكتابة على السيارات، ولكن يمكننا تحليل هذه الظاهرة من خلال طرق مختلفة:

علم اللغة وعلم العلامات

حيث يمكن للباحثين تحليل اللغة المستعملة في كتابة السيارات، ودراسة أنواع العبارات والمفردات والتركيبات النحوية المستعملة، كما يمكن أن يكشف هذا عن أنماط في أساليب الاتصال والمراجع الثقافية.

ويمكن للتحليل السيميائي استكشاف الرموز والصور المستعملة في كتابة السيارات، وتفسير معانيها وكيف ترتبط بالاتجاهات والقيم الثقافية الأوسع.

علم الاجتماع والدراسات الثقافية

يمكن للباحثين التحقيق في الوظائف الاجتماعية للكتابة على السيارات، ودراسة كيفية مساهمتها في تكوين الهوية والانتماء الجماعي والتعبير الاجتماعي.

كما يمكن أن تلقي دراسة كتابة السيارات الضوء على المعايير والقيم الثقافية، وتكشف عن الموضوعات والرسائل التي تعتبر مقبولة أو من المحرمات في سياقات مختلفة.

التسويق وسلوك المستهلك

يمكن أن تفيد الدراسات كيف تؤثر كتابة السيارات في تصورات المستهلك للعلامات التجارية والمنتجات، واستكشاف فعالية استعمال السيارات منصات إعلانية متنقلة.

يمكن للباحثين التحقيق في العوامل النفسية التي تحفز الأشخاص على الكتابة على سياراتهم، ودراسة دور التعبير عن الذات والإشارات الاجتماعية والولاء للعلامة التجارية.

علم النفس

يمكن أن تستكشف الدراسات التأثير النفسي لكتابة السيارات على كل من الكاتب والمشاهد، ودراسة كيفية تأثيرها في المشاعر والمواقف والسلوك.

يمكن للباحثين التحقيق في العلاقة بين كتابة السيارات وسمات الشخصية، واستكشاف ما إذا كانت أنواعاً معينة من الكتابة مرتبطة بخصائص شخصية محددة.

في حين أن الأبحاث الحالية حول كتابة السيارات محدودة، إلا أن هناك إمكانية لإجراء دراسات متعددة التخصصات تستكشف هذه الظاهرة من زوايا مختلفة. من خلال الجمع بين الأفكار من علم اللغة وعلم الاجتماع والتسويق وعلم النفس، يمكن للباحثين الحصول على فهم أعمق لمعاني ودوافع وتأثيرات كتابة السيارات في السياقات الثقافية المختلفة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن