ماذا تريد واشنطن بالوقت الضائع… وإلى أين..!؟
| عبد السلام حجاب
ليس خافياً، أن السؤال الرئيسي الذي يتردد صداه، عقب ترحيل المبعوث الأممي دي ميستورا جنيف 3 إلى الخامس والعشرين من شباط الجاري، محوره ماذا تريد واشنطن اتخاذه من خطوات لتجميل واقع الفشل الحاصل داخل بيت صانعي الإرهاب وداعميه ومموليه، أو لترقيع ما أمكن بخطوات لن تضمن أمناً واستقراراً بطبيعة الحال، ولن تمنع بتداعياتها المحتملة حرباً يتوق لإشعالها المأزومون ومراهقو السياسة، مثل العثماني أردوغان وحكام آل سعود ومشيخة قطر في وقت أميركي ضائع يأكل ساعاته وأيامه بازار الانتخابات الرئاسية ورهاناته المفتوحة!
ولعل من يقرأ في أسباب ترحيل جنيف 3 يكتشف بداية أن قرار مشغلي ما يعرف معارضة الرياض، في السعودية وتركيا وقطر، إفشال هذا المسار السياسي عبر ذرائع واهية وغير مجدية كما وصفها غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسية. وأوضح وزير الخارجية وليد المعلم في مؤتمره الصحفي الذي عقده السبت الفائت: «أن القرار 2254 وبياني فيينا، تنص على أن الشعب السوري وحده يقرر مستقبله، وأن الحوار يجب أن يكون سورياً- سورياً دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة». وهو ما يعيد ثانياً طرح سؤال ماذا تريد واشنطن مباشرة أو من خلال بيادقها، بعد أن روجت آلتها الإعلامية والسياسية عن سقف سياسي مراوغ أدرج في إطاره أولويات خارج شروط مربعها الأول ولا تضعها في مواجهة سياسية صدامية مع إيران بعد الاتفاق النووي. ولا في مواجهة موسكو، الثابتة عملياً على خطوط النار في مواجهة الإرهاب في سورية والانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري جعلت نهايات «داعش والنصرة» والتنظيمات الإرهابية الأخرى تلوح في الأفق وفق ما أعلنه الوزير الروسي لافروف.
وعليه فإن المراقب السياسي لتداعيات الميدان السوري جراء هزيمة الإرهابيين ودحرهم وانعكاسات ذلك على محور الحالمين والطامعين إنما يقرأ في سياسة واشنطن أزدواجية المعايير سعياً حثيثاً في اتجاهين:
1- محاولة أن يكون جنيف والمسيّر الذي يدير شؤونه منصة لفرض قواعد اشتباك جديدة لترقيع الفشل القائم، عبر إدراج إرهابيين بربطات عنق وتغطية سياسية ضمن وفد معارضة الرياض، ما يفتح باباً عسكرياً لأحلام مشغليهم في الرياض وأنقرة والدوحة ولم يكن الوزير الأميركي آشتون كارتر بعيداً عن هذه الرغبة بتصريحه أن تتم دراسة الاستعداد السعودي للتدخل العسكري في سورية بقيادة أميركية في اجتماع بروكسل.
2- السعي لتبريد صراع الإرادات المحتدم بين محور دمشق وطهران وموسكو لمحاربة الإرهاب كمهمة وطنية ودولية وبين محور الإرهاب الذي يضم تركيا والسعودية وقطر والأردن وبعض دول الغرب الاستعماري كفرنسا وبريطانيا وتقوده أميركا والترويج دعائياً بأنه صراع تكتيكي.
ويمكن القول بأن استقرار هذين الاتجاهين في الوقت الأميركي الضائع يستدعي جملة أسئلة سياسية وعسكرية لن يكون مستغرباً لو فرضت إيقاعها على طاولة اجتماع ميونيخ لمجموعة العمل لدعم سورية في 11 شباط الحالي، ومن بين تلك الأسئلة:
1- هل التعويل على ميونيخ كاف لعودة مسار جنيف 3 المعلق وفقاً لبياني فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي 2254 ليكون بوابة انطلاق حقيقية للحل السياسي على قاعدة أن السوريين وحدهم من يقررون مستقبلهم دون تدخل خارجي أو شروط مسبقة لقوى ترفع العدوان والتدخل العسكري عنواناً لها، وأن تكون محاربة الإرهاب أولوية للبحث كما أعلن غاتيلوف نائب الوزير الروسي أثناء جنيف 3!؟
2- هل الإصرار على حملات التشويه المتصاعدة لمواقف روسيا وإيران الداعمة والمؤيدة سياسياً وميدانياً لانتصارات الجيش العربي السوري في محاربة الإرهاب يمكن أن يغير الوقائع والحقائق، ويدرك المأزومون في أجنداتهم والطائشون في أحلامهم الحاقدة أنهم يخسرون وحدهم في نهاية المطاف وفقاً لسياسة المصالح الأميركية المزدوجة المعايير.
3- هل لأميركا في مثل هذه اللحظة الحرجة، داخلياً ودولياً وما تحمله من احتمالات غير محسوبة أو محسومة النتائج. الاطمئنان إلى رهانات بعض العابثين، وتغامر لحساب الآخرين حيث لا يجد الحاكم السعودي نهاية مأمولة في مستنقع اليمن حسب الناطقة باسم الخارجية الروسية، كما أن الحاكم التركي لا يجد مخرجاً لإنقاذ نفسه من تفاصيل الحسابات لديه بعد أن جعل علاقات بلاده صفراً مع الجيران وأبعد؟
4- هل يمكن فتح ثغرة في جدار جنيف 3 الذي أغلقته شروط الإرهابيين ومشغليهم سلفاً، بعيداً عن الابتزاز السياسي والإنساني والمقايضات والأجندات، ويعود الأمل بنجاح دي ميستورا في مهمته السلمية على أسس مبادئ فيينا وقرار مجلس الأمن الدولي، وقد تمنى له الوزير المعلم هذا النجاح لإطلاق التسوية السياسية التي يريدها السوريون بقرارهم الوطني المستقل الذي يشكل جوهره محاربة الإرهاب حتى القضاء عليه.
5- هل يتمكن اجتماع ميونيخ من الحصول على قائمة بأسماء التنظيمات الإرهابية بعد أن غابت عن جنيف3 كمقدمة لإفشاله فضلاً عن وجود وفد وازن من المعارضات السورية يبحث عن حل سياسي وليس أشباحاً يتم نقلهم من الرياض بأجندات إرهابية لا مكان لها على طاولة جنيف واضحة الشكل والجوهر.
ما من شك بأنه إذا كانت انتصارات الجيش العربي السوري في دحر الإرهابيين بما في ذلك فك حصار نبل والزهراء اللتين كانت تحاصرهما تنظيمات إرهابية معروفة الولاء والانتماء قد أذهلت الوزير الأميركي كيري ونظيره الفرنسي فابيوس- وهزت وفد معارضة الرياض في جنيف فجاء الأمر بالمغادرة، وهل هو المبرر الوحيد لواشنطن لترمي بثقل وزنها السياسي بشكل علني ومفضوح إلى جانب التنظيمات الإرهابية ومن يشغلها إذا كانت حقاً تعمل كما ادعاءاتها لمكافحة الإرهاب، وتقارب الأمر سياسياً بصورة تتيح للطرفين السعودي والتركي فرصة اللعب على خط التهديدات العسكرية بالتدخل البري في سورية.
وهي تهديدات لن تمر من دون دراسات أمنية وعسكرية وسياسية يعكف على متابعتها كل من سورية وروسيا وإيران التي تستند إلى رؤية موحدة في مواجهة الإرهاب ومحاصرة تداعياته لضمان الأمن والاستقرار والسلام في المنطقة والعالم، والدفاع عن مبادئ القانون الدولي.
لا جدال بأن سورية بقيادة الرئيس بشار الأسد اتخذت خيارها الوطني بمحاربة الإرهاب حتى القضاء عليه مؤكدة في الوقت نفسه حرصها على حل سياسي يمكن تنفيذه على أرض الواقع وأما من يحملون السلاح فعليهم إدراك أن قادتهم يريدون موتهم والتخلص منهم لكن سورية جاهزة لاحتضان أبنائها وإن غرر بهم وأساؤوا، وحكمة قيادتها وقائدها تؤكد ذلك.