قضايا وآراء

القاسم.. عين أميركية عمياء

| منذر عيد

قد يكون ظاهراً الربط بين ما سنأتي على ذكره لاحقاً غير منطقي، وبأن الموضوعين بعيدان عن المقاربة ببعضهما بعضاً، إلا أنه وفي حقيقة الأمر وجود قاسم مشترك بينهما وهو الولايات المتحدة الأميركية يجعل من عملية المقاربة والربط بينهما أمراً غاية في المنطق، لجهة ارتباط الطرفين مصيرياً بالقرار الأميركي، وبأن ما يقدمان عليه لا يمكن أن يكون من دون موافقة الإدارة الأميركية، أو غضها الطرف عما يقومان به.

الأمران ينقسمان بين أوكرانيا، وحديث آخر الأنباء عن قيام نظام كييف بتسليم تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابية في إدلب شحنة طائرات مسيّرة مقابل إرسالها مرتزقة للقتال إلى جانب كييف في الحرب الدائرة مع روسيا، وبين نية رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استبدال وزير الحرب يوآف غالانت على خلفية معارضة الأخير توسيع الحرب الإسرائيلية في المنطقة.

ليس بالأمر السري أن تسعى المخابرات الأميركية إلى خلق تحالف بين «النصرة» وكييف، إذا ما كان الأمر سيفضي إلى صناعة جبهة واحدة تمتد من أوكرانيا إلى سورية، بهدف إلحاق الهزيمة بالقوات الروسية هنا أو هناك، فهذه السياسة ليست بالغريبة على العقل الاستخباراتي الأميركي، بأن يتحالف أو يصنع أحلاف مع القتلة والإرهابيين أينما وجدوا لطالما صب ذلك في الهدف الأكبر لواشنطن وهو الهيمنة على القرار العالمي، وبسط نفوذها في جنبات الأرض، وهو الأمر ذاته ليس بالغريب أو البعيد عن نظام كييف، ولا عن متزعم «النصرة» المدعو أبو محمد الجولاني، طالما أن التحالف بينهما سيبقى كلاهما في المشهد العام السياسي والعسكري.

حاجة ودوافع التقارب بين النازيين الجديد في أوكرانيا، والإرهابيين في إدلب، كشفتها صحيفة «أيدينليك» عبر توثيقها لقاء تم في إدلب الشهر الماضي بين القيادي في «النصرة» الإرهابي هيثم عمري ووفد أوكراني، لمناقشة إطلاق سراح مسلحين شيشانيين وجورجيين تحتجزهم «النصرة» بمن فيهم الإرهابي عمر الشيشاني المعروف بـ«مسلم الشيشاني» مقابل تقديم أوكرانيا 75 طائرة مسيّرة، ليؤكد وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف قبل أيام أن التعاون والاهتمام الأوكراني لا يقتصر فقط على التعاون مع «النصرة» في إدلب بل إن الاستخبارات الأوكرانية مهتمة أيضاً بمناطق أخرى في العالم، حيث يوجهون أنظارهم جنوباً إلى منطقة الصحراء والساحل في القارة الإفريقية.

هذه المعادلة تقوم على مبدأ رابح -رابح للجميع، حيث تجد كييف ضالتها لدى الجولاني وما تعانيه من نقص في عدد الجنود والمقاتلين في صفوفها على جبهة المواجهة مع روسيا، ومتزعم «النصرة» يستثمر في تلك الحاجة، حيث يحول المناطق التي يسيطر عليها وما تحتويه من مسلحين إلى سوق ارتزاق يجلب له المال الذي قد يخسره مع فقدانه السيطرة على المعابر التجارية لاحقا، وبالطبع فإن الأميركي ومن خلال موافقته ورعايته لتلك العلاقة يصل إلى غايته أو هكذا يمني النفس بالضغط على روسيا وإنهاكها في الجبهة الأوكرانية وفي سورية، حيث تسعى كييف إلى فتح جبهة ثانية تبعد عنها آلاف الكيلو مترات لإلحاق الضرر بالقوات الروسية كما كانت تهدف في العام الماضي وحسب وثيقة استخباراتية مسربة إلى تدريب مسلحين تابعين لـميليشيات «قوات سورية الديمقراطية – قسد» لضرب أهداف عسكرية روسية.

الأمر الثاني، والذي يؤكد أيضاً وجود قبول أميركي بشكل سري بخلاف ما يتم إعلانه على المنابر وفي اللقاءات الدبلوماسية، هو رفض رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عدم إجراء أي مفاوضات لوقف العدوان على قطاع غزة وتبادل الأسرى، وعزمه الذهاب نحو حرب واسعة في المنطقة، وهو ما تجسد من خلال الأنباء التي تحدثت عن نيته إقالة وزير حربه غالانت ونيته تعيين الوزير السابق المتطرف جدعون ساعر عوضاً عنه، ليؤكد بيان هيئة عائلات الأسرى الإسرائيليين أن تعيين ساعر سيمثل اعترافاً من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية بأنه قرر التخلي عن الأسرى بنحو نهائي.

نية نتنياهو التخلي عن غالانت، ليس بالأمر المفاجئ، فالرجل يدير الأمور وفقاً لمصالحه الشخصية التي تقتضي باستمرار الحرب في غزة، بل توسيعها لتشمل المنطقة برمتها، وجلب قدم أميركا إليها، لتكون حرباً إقليمية، يستطيع من خلالها الهروب من حساب اليوم التالي للعدوان على غزة، دون أن يمنعه ذلك من السوق في ترويج الأكاذيب والمراوغة بخصوص إعادة الأسرى الصهاينة لدى المقاومة الفلسطينية، وهذا الأمر ليس بالغريب على نتنياهو، إذ تؤكد التقارير الإعلامية أن نتنياهو الذي عمل في بداية حياته في تسويق البضاعة بمحل لتجارة الأثاث في الولايات المتحدة أبدع في الكذب فكان يعرض بضاعة أخشاب السويد على أنها أخشاب زان، يكذب بتلقائية، ومن دون أن تظهر على وجهه أي علامة، كان يقبض ولا يدفع، المراوغة والاحتيال وخيانة الأمانة، كلها تمر على الزبائن بفضل قدرته العالية على الكلام.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن