من دفتر الوطن

كروَان «ليفيل ون»!

| فراس عزيز ديب

في إحدى لوحات المسلسل السوري الشهير «مرايا»، كانت الشخصية الرئيسية عابرة للزمنِ بمسافة لا تقل عن خمسينَ عاماً، وهي شخصية صاحب صالون حلاقة يحب الغناء، لكن ليسَ أي نوعٍ من الغناء، فهوَ لا يستمع إلا إلى الطربِ الأصيل، لكن عبارة الطربِ الأصيل عندهُ تختلف عن العبارة في وقتنا الحالي، لأن ما نسميهِ الآن الأغاني الشبابية، أو كما أطلق عليها كبار الموسيقيين عند انطلاقتها بـ«الأغاني الهابطة»، أو حتى المطربون الشبابيون سيصبحونَ في ذاكَ الزمن القادم هم رواد الطرب الأصيل، هذا التنبؤ ربما رأينا فيهِ يومها الكثير من المغالاة، لكن وفق مجريات الواقع يبدو أن ما ينتظرنا أسوأ بكثير.

قبل أيام، ظهرَ أمامي فيديو على إحدى ما يسمونها المنصات تقوم بتغطية حفل لثنائي شبابي أقامَ حفلاً غنائياً على أحد المسارح في إحدى المدن السورية، بالتأكيد لا أعرِف من هذا الثنائي ولا أريد أن أعرف، لكن لفتَ نظري هذا الحضور الهائل من المراهقين، بالسياق ذاته فإن كلام أحد المغنين منتشياً بأعدادِ الحضور أن المطرب الوحيد القادر على جمع هذهِ الأعداد هو «ليفيل ون»، أي مطرب من المستوى الأول! بصراحة خفت بيني وبين نفسي من ثقته، لكن خوفي لم يمنعني أن أسأل:

المستوى الأول عن أي فئة يقصد هذا الكروان؟ لأنه من المستحيل أن يقصد بالمستوى الذي يجمعهُ بجورج وسوف أو الراحلة المأسوف عليها ميادة بسيليس طيبَ اللـه ثراها، هل يقصد بفئةِ المطربين الشعبيين؟ لكن بصراحة حتى هؤلاء عندما يتحدثون تراهم يتحدثون بالكثير من الاتزان والعقلانية من قبيل المقاربة لمستواهم، بمعزلٍ إن أحببناهم كمطربين أم لا، في حلب مثلاً يقولون لك إننا تأثرنا بصباح فخري أو شادي جميل، في الساحل يقولون لك إنهم تأثروا بعادل خضور أو إبراهيم صقر، في المنطقة الوسطى لدينا الراحل الكبير فؤاد غازي، لكن حتى هؤلاء لا يتحدثون عن أنفسهم كمطربين من الصف الأول، بصراحة فكرت في الأمر كثيراً، وعندما طابقت المطرب بالجمهور تساءلت:

هل كان يقصد المستوى الأول عن فئةِ رواد الطلائع؟ ربما مستحيل، لسببٍ بسيط، أن الروادَ المتقدمين للمسابقات الطلائعية لا يدخلونها ما لم يكن لديهم موهبة تدفعهم لدراسة الموسيقا أو الغناء، بالتالي فإن أساسيات الفن والطرب تدفع بمعلميهم لأخذهم نحو التعلم من إرث العمالقة، يعني حتى هذه المنظمة يتبرأ مستواها الأول من انضمامهِ إليهم، بصراحة لم أجد جواباً عن هذا السؤال، لكني فعلياً فكرتُ بكلامهِ عندما قال إنه متأثر بالفنان عمرو دياب، حقاً؟

أعترف بأني من محبي عمرو دياب لأنه ببساطة مطرب عشنا معه مراهقتنا الجميلة، لكن هذا لم يمنعني من استذكار حلقة «مرايا»، وقلت في نفسي لعل ما تنبأت بهِ هذه اللوحة يبدو مخففاً بشكلٍ كبير عما ينتظرنا، تخيلوا بعدَ خمسين عاماً ماذا سيقول المطربون الجدد، بمن تأثروا؟ لن أُريدَ أن أذكرَ أسماء، لأن مكانة هذهِ الزاوية لدي أكبر من إعطائهم فرصة لنذكرهم، لكن هل لكم فقط أن تتخيلوا؟ يا له من حضيضٍ ثقافي وفني نعيشه، فماذا سيسمونه بعدَ خمسين عاماً؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن