مشروع الشيطان برؤى الجنرالات الصهاينة
| محمد نادر العمري
في ظل التطورات المتسارعة والتي يمكن ملاحظتها في إطار البيئتين الداخلية والخارجية للكيان الإسرائيلي على مختلف الجوانب السياسية والأمنية والعسكرية والتي كان آخرها يتمثل في تمكن المقاومة اليمنية من إطلاق صاروخ فرط صوتي ووصوله لعمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، يعود للواجهة طرح المزيد من مشاريع التهجير التي طرحت لتصفية القضية الفلسطينية وطرد الفلسطينيين عموماً وأهالي غزة بشكل خاص من آخر نقطة تواجد لهم داخل وطنهم، ولكن قبل الخوض بهذا المشروع لابد من التنويه للتطورات الآخذة في التصاعد والتي من المؤكد أنها سترخي من خلال تداعياتها على استكمال رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وباقي شركائه من اليمين المتطرف من تنفيذ مشروع التهجير:
أولاً_ تصعيد الجبهة الشمالية للكيان الصهيوني مع جنوب لبنان من دون تدحرج الأمور نحو حرب واسعة في ظل رفض الإدارة الأميركية الحالية لنشوب هذه الحرب بهذا التوقيت السياسي، واستنزاف قدرات ما يسمى الجيش الإسرائيلي، وسط تآكل المزيد من الردع التي كان آخرها الاضطراب الذي سببه وصول الصاروخ اليمني للعمق الإسرائيلي وفشل منظومات الدفاع التي تصنف الأحدث على مستوى العالم وهي «مقلاع داوو، حيتس، القبة الحديدية» في التصدي لهذا الصاروخ، فضلاً عن عدم تحقيق أي من أهداف العدوان على غزة رغم دخول هذا العدوان لشهره الثاني عشر.
ثانياً _ الحراك الأميركي النشط في ربع الساعة الأخيرة، من دون وجود مؤشرات للتوصل لأي صفقة أو اتفاق من شأنها أن تخفض مؤشرات الصراع والاستفزاز على مستوى المنطقة قبيل بدء الانتخابات الأميركية، وهذا الحراك يتمثل بمسارين، الأول الزيارة الجديدة للمبعوث الأميركي وعراب اتفاق الحدود البحرية عاموس هوكشتاين للكيان الإسرائيلي، والمبادرة التي سيحملها وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في زيارته الأسبوع المقبل لوقف إطلاق النار في غزة.
ثالثاً_ ممارسة نتنياهو لسياسة الضغط والمراوغة على الصعيد الداخلي من خلال الضغط على وزير دفاعه يوآف غالانت، من خلال الترويج لأنباء عن تفاوضه مع رئيس حزب الأمل الجديد جدعون ساعر لدخول الحكومة بدلاً عن غالانت، وذلك بهدف الضغط على غالانت للقبول بمشروع قانون إعفاء الحريدم من الخدمة العسكرية، مع احتمال توجه نتنياهو لتنفيذ ذلك في مؤشر على رغبة الأخير بحصر اتخاذ القرار في المسارين السياسي والعسكري بيده، وتوسيع الدعم والتأييد السياسي لحكومته لضمان استمرارها من خلال جذب أعضاء حزب ساعر في الكنيست لصف الداعمين للحكومة.
هذه التطورات تزامنت مع ما نشرته صحيفة «إيديعوت أحرنوت» لخطة جديدة تهدف لتهجير أهالي غزة من قطاعهم، تسمى خطة «الجنرالات»، لكونها خطة مقترحة من قبل ضباط عسكريين سابقين وتم تبنيها من قبل أعضاء داخل حزب الليكود الحاكم الذي يتزعمه رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حيث تم إعدادها خلال شهري تموز وآب 2024، ونشرت تفاصيلها لأول مرة في الرابع من شهر أيلول 2024، وجاءت بمبادرة من رئيس شعبة العمليات الأسبق في هيئة رئاسة أركان الجيش الإسرائيلي، الجنرال في الاحتياط غيورا آيلاند، وهو أبرز المستشارين المقربين من نتنياهو الذي يعتمد عليه في كثير من الأمور العسكرية منذ بداية العدوان على غزة، ويعرف عنه أنه يخالف قيادة الجيش ويعرف بأنه «منظر» الحرب على غزة، كما أنه معروف بمشروع نقل الفلسطينيين في غزة إلى شمال سيناء المصرية، وتقف معه مجموعة من الجنرالات المعروفين بأنهم جزء من اليمين ويعملون تحت اسم «منتدى الضباط والمقاتلين في الاحتياط».
ووضع هؤلاء عنواناً لخطتهم، وهو «خطة لهزيمة حماس» يقترحون فيها تغيير اتجاه الحرب ووقف خطط الانسحاب من غزة والعودة إلى مشاريع الترحيل؛ حيث يعتقد هؤلاء الضباط بأن عمليات الجيش الإسرائيلي الحالية في قطاع غزة ليست مفيدة، واقترحوا خطة مؤلفة من مرحلتين، يتم خلالها تهجير السكان المتبقين في شمال قطاع غزة والإعلان عنها أنها منطقة عسكرية مغلقة، ثم تنفيذ الخطة ذاتها لاحقاً في بقية أنحاء القطاع ولاسيما رفح.
وتنص الخطة على تحويل المنطقة الواقعة شمال «محور نتسريم»، الذي يفصل جنوب قطاع غزة عن شماله، إلى «منطقة عسكرية مغلقة»، وإرغام 300 – 400 ألف فلسطيني يوجدون حالياً في شمال القطاع، على النزوح خلال أسبوع واحد، وبعد ذلك يفرض الجيش الإسرائيلي على شمال القطاع حصاراً عسكرياً كاملاً، بادعاء أن حصاراً كهذا سيضع المقاتلين الفلسطينيين أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الاستسلام أو الموت.
ويزعم واضعو الخطة أنها لا تخالف قواعد القانون الدولي، لأنها تسمح للسكان بالنزوح من منطقة القتال قبل فرض الحصار.
الخطورة في طرح هذه الخطة بهذا التوقيت السياسي والتطورات العسكرية المتسارعة يكمن في مجموعة من النقاط:
– أولاً تم تبنيها من قبل معظم أعضاء الليكود، حيث نظم الحزب بمبادرة من عضو الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، أفيحاي بوروان، عريضة موقعة من نواب الكنيست الممثلين لليكود، موجهة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، يطالبونه فيها بتنفيذ خطة الجنرالات، حيث وصف بوروان، الذي يعود لخلفية استيطانية وقائد حملات استيطان عديدة في الضفة الغربية، أن هذه الحملة جاءت لمساعدة نتنياهو على تثبيت سياسة حزب الليكود إزاء غزة، وصد الضغوط الدولية عليه، وأعرب عن تقديره بأن ثلثي أعضاء الكنيست سيوقعون على العريضة، وهو ما يعني استمرار الحرب والعدوان لأجل غير مسمى على غزة لتنفيذ هذا المشروع الكبير.
– ثانياً طرح هذا المشروع وتبنيه من قبل الليكود يجعلنا نفهم سبب تمسك نتنياهو بالمحافظة على تواجد قواته ضمن محور فيلادلفيا، وذلك من خلال السيطرة على الحدود وفتحها أمام الفلسطينيين بعد تدمير كل مقومات الحياة في غزة، وهو ما يسهم في تطبيق ما أطلق عليه «الهجرة الطوعية»، في حين أنها تمثل هجرة قسرية يجبر عليها الفلسطينيون، ولاسيما أن واضعي الخطة يقولون إنه ما دامت حماس تسيطر على المساعدات الإنسانية في القطاع، فليس بالإمكان هزيمتها.
– ثالثاً تطبيق المرحلة الأولى من خطة الجنرالات يعني إفراغ الشمال من كل مواطنيه، وهذا قد يدفع المتطرفين واليمين نحو إحياء مشروع الاستيطان الذي مازالوا ينادون بالعودة إليه منذ عام 2005.
إلا أن تنفيذ الخطة وتحويلها من المسار التنظيري للواقع العملي، أمامه تحديات كثيرة تحد من احتمال تطبيقها بالسهولة التي يروج لها منظروها، بما في ذلك موقف الفصائل الفلسطينية والمواطنين الفلسطينيين الرافضين للخروج من أراضيهم، والتكلفة المادية والبشرية والعسكرية الكبيرة التي سيتكبدها الكيان، ورفض بعض قيادات الجيش بما في ذلك وزير الدفاع يواف غالانت لتولي إدارة القطاع في مرحلة ما بعد انتهاء العدوان، والرفض المصري والأردني لتطبيقها لكونها تمس بالأمن القومي لكل منهما، ورفض المجتمع الدولي الذي بات في موقف محرج وعاجز عن تطبيق القانون الدولي، إلا أنه يجب الحذر من احتمال تطبيق بعض أجزائها ولاسيما بعد تبنيها من حزب الليكود الحاكم، وإعدادها من شخصية عسكرية تعد أكثر الشخصيات المقربة والمؤثرة على نتنياهو، تؤكد ذلك، فالهدف من توجيه عريضة إلى نتنياهو، هو إصدار قرار من الحكومة المصغرة وتصديقها من الكنيست، ومن ثم توجيه الأوامر للجهات العسكرية لتنفيذها.
كاتب سوري