الأسلحة القاتلة المستقلة
| حسن م. يوسف
سألني هامساً: «ما هذه (الأسلحة القاتلة المستقلة) التي كثر الحديث عنها في الآونة الأخيرة؟»، ونظراً لأنني كنت قد سبقت الرجل في طرح هذا السؤال على نفسي، وبحثت بعمق عن إجابة مشبعة له فقد كان بوسعي أن أجيبه قائلاً: « الأسلحة القاتلة المستقلة هي أسلحة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي وهي بمجرد إطلاقها تتمتع باستقلالية كاملة في اتخاذ قرار الاستهداف والقتل، فهي تبحث عن الهدف، وبعد أن تحدد هويته تقوم بقتله، دون أدنى تدخل بشري!
غمغم الرجل بذهول: «يا عفو الله! وإذا كانت هذه الآلات مستقلة كما تقول، فمن الذي يتحمل مسؤولية ما قد تقوم بها من عمليات قتل وتدمير؟».
قلت: «هذا هو السؤال الذي لم يعثر البشر على إجابة واضحة عليه حتى الآن، لأن هذه الآلات القاتلة تنحّي العامل الإنساني بما فيه من مشاعر واعتبارات أخلاقية وقانونية».
كرر الرجل التعبير عن ذهوله قائلاً: « يا عفو الله! هذا يعني أن البشرية قد تستيقظ غداً على بدء حروب عديمة المشاعر والأخلاق تتحكم بها آلات ذكية إلى مالا نهاية!».
خلاصة ما توصلت إليه هو أن الأسلحة القاتلة المستقلة، ليست ابنة اليوم، كي نستيقظ عليها غداً، فجيوش الدول الكبرى تستخدم منذ ثمانينيات القرن الماضي أنواعاً من الأسلحة ذاتية التشغيل، وهناك أخبار مؤكدة عن استخدام الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل في ليبيا. لذا وصف الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، الذي ورث عادةَ الشعور بالقلق عن سلفه بأن كي مون، وصَفَ أنظمةَ الأسلحة الفتاكة المستقلة بأنها «غير مقبولة سياسياً وبغيضة أخلاقياً»، داعياً إلى حظرها بموجب القانون الدولي. والحق أنني شخصياً أشعر بقلق حقيقي من هذا التطور، لأن كل الدول ذات القدرات الراسخة أو الناشئة في أنظمة الذكاء الاصطناعي ليس بينها أي دولة عربية أو مسلمة. ومن لا يملك السلاح قد يكون على رأس ضحاياه! ولهذا فأنا مع توصية غوتيريش التي تقضي «بإبرام صك ملزم قانوناً لحظر أنظمة الأسلحة الفتاكة ذاتية التشغيل، التي تعمل من دون سيطرة أو إشراف بشريين».
صحيح أن الدول المتقدمة في مجال الأسلحة القاتلة المستقلة تحاول تجميلها، مدعية أنها يمكن أن «تقلل من الخسائر المدنية بقدرتها على استهداف المقاتلين ببراعة ودقة»، غير أن هذا الكلام هو ضرب من رش السكر على الموت!
يقول الخبراء العسكريون إن البشرية قد عرفت خلال ماضيها ثورتيْن في مجال الحروب. الثورة الأولى كانت عندما اخترع العالم الشامي حسن الرماح البارود في القرن التاسع، والثورة الثانية عندما أجرت الولايات المتحدة أول تجربة نووية لها في 1945. وها نحن اليوم على أعتاب ثورة ثالثة يقودها الذكاء الاصطناعي والأسلحة القاتلة المستقلة التي تستبعد البشر من دورات اتخاذ القرار. فهل تنجو البشرية مما تجنيه على نفسها هذه المرة أيضاً؟ أم إن الخطيئة الثالثة ستكون الحاسمة؟!