الدكتورة ليلى الصباغ رائدة من رائدات التدريس والبحث … أول امرأة باحثة تدخل مجمع اللغة العربية منذ تأسيسه عام 1919
| أنس تللو
على عكس ما يشاع بأن الفتاة في أوائل القرن العشرين لم يكن لها دور سوى العويل، وعلى عكس ما يُصوَّرُ وما يقال بأن الأسر القديمة كان همها الأوحد تعليم أبنائها الذكور وإهمال النساء، فقد كانت أسرة ليلى الصباغ تعامل أبناءها بالتساوي، لذلك فقد نشأت ليلى الصباغ نشأة أهَّلتها لأن تستغل إمكاناتها ومواهبها ما جعلها حالة فريدة في تاريخ الثقافة والتعليم في سورية.
ولدت ليلى الصباغ في دمشق سنة 1924م، وقد زخرت حياتها بالتعليم والشهادات والوظائف والمناصب، إذ حصلت على الشهادة الثانوية الأولى سنة 1942م، وعلى الشهادة الثانوية الثانية سنة 1943م، ثم واجهتها صعوبات عديدة، ولكن لم تتمكنِ الصعوباتُ من ثنيها عن حُلمِها في الحصولِ على شهادةٍ جامعيَّةٍ، فسافرت إلى مصر لتحصل على الإجازة في التاريخ من جامعة القاهرة عام 1947 بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف الأولى؛ وعادت إلى دمشق لتدرّس مادة التاريخ في المدارس الثانوية ودور المعلمات.
الدراسة الأكاديمية
ثم سافرت مرة أخرى إلى القاهرة وحصلت على الماجستير من جامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى عام 1961 وكان موضوعها (في تاريخ العرب الحديث)، وبعد عودتها إلى دمشق عُينت مفتشةً أولى للتاريخ والجغرافيا في وزارة التربية.
وفي عام سنة 1966م حصلت على الدكتوراه من (جامعة القاهرة) أيضاً بمرتبة الشرف الأولى.
سافرت بعدها إلى الجزائر لتدريس مادة التاريخ في (جامعة الجزائر)، وبقيت هناك سنتين. وفي سنة 1968م عُينت في مديرية البحوث في وزارة التربية السورية.
ثم تم نقلها عام إلى جامعة دمشق لتدرِّس في قسم التاريخ في (جامعة دمشق)، ورُقّيت إلى أستاذ مساعد سنة 1976م، ثم إلى أستاذ سنة 1978م.
هيئة الموسوعة
ويبدو أن إخلاصها النادر في تدريسها وإتقانها لعملها قد جعلاها تتميز في عصرها، فقد انضمت إلى (هيئة الموسوعة العربية) وشغلت منصب (رئيسة قسم الحضارة العربية) حتى سنة 1988م، ومازلت تدرِّس حتى أُحيلت إلى التقاعد سنة 1993م.
ومن أعمالها أنها تولت إدارة مدرسة التجهيز الأولى للبنات (زكي الأرسوزي) بين عامي 1954 و1963.
وفي سنة 2008م صدر مرسوم جمهوري بتعيينها عضواً في مجلس الآثار.
انتخابها لعضوية مجمع اللغة العربية
ثم انتُخبت الدكتورة ليلى الصباغ لتكون عضواً عاملاً في مجمع اللغة العربية بدمشق في 18 تشرين الثاني 1998م خلفاً للدكتور حسني سبح، وبذلك تكون الدكتورة الصباغ أول امرأة تدخل مجمع اللغة العربية بدمشق منذ تأسيسه عام 1919م وذلك بصفتها مربية وأكاديمية وكاتبة سورية.
كانت الدكتورة ليلى ذات نشاط باهر لافت للنظر فقد شاركت في أعمال عدة لجان مجمعية، منها: (لجنة المكتبة)، و(لجنة النشاط الثقافي)، و(لجنة المجلة والمطبوعات)، و(لجنة المخطوطات وإحياء التراث).
ولم تكن مجرد مدرِّسة عادية، وإنما كان لها هدف تربوي واضح في مسيرة حياتها، فقد كانت تؤمن بأن فاقد الشيء لا يعطيه، لذلك فقد انخرطت تماماً في معايير الفكر السامي، وأيقنت أنه لا يمكن أن تكون مربية صالحة ما لم تكن هي إنسانة صالحة، لذلك فقد أسست نفسها على كل الفضائل الإنسانية الحميدة، ما جعلها مربية ومعلِّمة في آن معاً، وغدا معظم طلابها يرونها أماً حنوناً رحوماً.
نشاطها الثقافي
كما ألقت الدكتورة ليلى العديد من المحاضرات في الإذاعة السورية وفي الجمعيات الثقافية، وقد اعتُمد كتابها (دراسة في منهجية البحث التاريخي) كمادة تدرس في جامعة دمشق، ثم تولت منصب أستاذ زائر في جامعة العين في الإمارات العربية المتحدة عام 1993.
الدكتورة ليلى لم تتزوج، لكنها تزوجت التاريخ والعلم، وأنجبت العديد من المؤلفات الأصيلة التي تعدُّ من المراجع المتميزة في التاريخ.
من مؤلفاتها
نساء ورجال في الأدب والسياسة وإصلاح المجتمع.
دراسة في منهجية البحث التاريخي.
معالم تاريخ أوروبا في العصر الحديث.
الجاليات الأوروبية في بلاد الشام في العهد العثماني.
نساء ورجال في الأدب والحياة.
الأدب النسائي المعاصر.
رحيلها
وحين توفيت الدكتورة الصباغ عام 2013 أقام مجمع اللغة العربية بدمشق حفلاً تأبينياً ضم بعض رجال الفكر والثقافة وألقوا كلمات أشادت بمزاياها وعطاءاتها الثقافية.
بقي أن يُشار إلى أنه لابد من الاستفادة من العدد الكبير المهمل من رسائل أطروحات الدكتوراه العديدة التي أشرفت عليها الدكتورة ليلى والتي تمت صياغتها وتدوينها ومناقشتها بأسلوب منهجي علمي متقن.
حين تُعطى الأنثى حقُّها من الرعاية والعناية والتعليم فإنها تُبدع وتعطي أكثر مما يُتوقع.