ثقافة وفن

الأمانة السورية تطلق كتاب «خيال الظل السوري» … د. مشوّح: هذا العمل التوثيقي ما كان له أن يرى النور لولا سيدة عميقة بفكرها مؤمنة بعمق الهوية الثقافية السورية وعظمتها

| مايا سلامي – تصوير طارق السعدوني

في إطار سعيها المستمر لحفظ وصون التراث السوري المادي واللامادي، أقامت الأمانة السورية للتنمية بالتعاون مع وزارة الثقافة حفل إطلاق كتاب «خيال الظل السوري» العنصر الثقافي الذي تم إدراجه على لائحة اليونسكو للصون العاجل عام 2018، وذلك في دار الأسد للثقافة والفنون بدمشق.

الكتاب يعد وثيقة ومرجعاً يلخص بين دفتيه نتاج عمل وبحث وجهد قام به فريق التراث الحي في الأمانة السورية بالتشارك مع جهات عدة تعنى بالحفاظ على التراث السوري، ليعرّف بأصول هذا الفن وتاريخه وكيف حمله طريق الحرير إلى سورية فأخذ الصبغة والهوية السورية وأصبح طقساً ملازماً لذاكرة السوريين ويومياتهم لزمن طويل عبّر عن أحوالهم ونقل واقعهم.

ويتضمن صور ووثائق فوتوغرافية ومعلومات تعرّف بالمراحل التي مر بها خيال الظل وأهم أعلامه وأبرز شخصياته، وكيف تم العمل على صون هذا العنصر اللامادي وفقاً للمعايير والسياسات الوطنية والدولية.

عمل توثيقي

وفي كلمتها بينت وزيرة الثقافة في حكومة تسيير الأعمال د. لبانة مشوّح أن إبقاء شعلة الهوية الوطنية متقدة يتطلب عملاً دؤوباً ومنهجياً في مواجهة تحديات كثيرة من أخطرها تحدي العولمة التي تسللت بمختلف أشكالها وأساليبها، وتحت ستار من الشعارات البراقة، فتلاعبت بالمفاهيم، وشوهت الحقائق والتاريخ، وصولاً إلى تخريب المنظومات القيمية لتتحول أحياناً إلى مرض ينخر جسد الهويات الوطنية إلى حد تهديد وجودها.

وأوضحت أن خيال الظل هو أحد العناصر الثقافية التي وصلت إلينا عبر طريق الحرير لتنصهر في البوتقة السورية وتكتسب خصائص وممارسات جعلت منها عنصر تراث لا مادياً سورياً بامتياز.

وأشارت إلى أن خيال الظل فن عريق له تاريخه الطويل الممتد عبر الزمن، وله أدواته وممارساته وتقاليده، والأهم أن له موقعه في تاريخ السرد القصصي والعرض المسرحي في سورية.

وأكدت أن إدراجه على قوائم التراث الإنساني لليونسكو في العام 2018 كان نقلة نوعية ألزمتنا ببذل جهود كبيرة للتعريف بهذا العنصر المهدد بالخطر والتوعية بأهميته التراثية وصونه وتطويره، منوهة بالجهود المشتركة التي بذلت بالتعاون مع الأمانة السورية للتنمية فأصبح عدد المخايلين المحترفين من المجتمع المحلي في دمشق وحلب وطرطوس والسويداء 75 مخايلاً محترفاً، بعد أن كان هناك مخايل واحد في كل سورية.

وقالت: «اليوم نحتفل بإطلاق كتاب «خيال الظل» هذا العنصر التراثي اللامادي السوري الذي يروي لنا من خلف الظلال حكايا التاريخ وسينقل للأجيال من بعدنا من خلف الظلال حكايانا».

وأكدت أن هذا العمل التوثيقي المهم ما كان له أن يرى النور لولا سيدة عميقة بفكرها، شمولية برؤيتها، مؤمنة بعمق الهوية الثقافية السورية وعظمتها، وبالتراث اللامادي كأحد مكوناتها، سيدة تسعى بكل طاقتها لصون هذا التراث، ووضعه في خدمة التنمية المجتمعية، وقد أشرفت إشرافاً مباشراً على إصدار الكتاب ليظهر بحلة تليق بسورية وهويتها الحضارية.

وختمت بتوجيه تحية محبة واحترام وتقدير للوردة الشامية الأولى وسيدة ياسمينها، السيدة الأمينة على تراثنا الدؤوبة المتابعة بكل الظروف والأوقات، السيدة الأولى أسماء الأسد.

صون التراث

كما أوضح الرئيس التنفيذي للأمانة السورية للتنمية شادي الإلشي في كلمته أن صون التراث اللامادي هو عملية مستمرة ولها أشكال وأنماط مختلفة لا تتعلق فقط بالترويج للعنصر ودعم ممارسيه، منوهاً بأن الجزء الأكبر من عملية الصون مرتبط بتوثيق هذا التراث وحفظه للأجيال القادمة، ونقل المعرفة والإبداع المرتبطين فيه دون المساس بهويته.

وبين أن هذا الكتاب هو شكل من أشكال صون التراث، وعنصر «خيال الظل» هو ثاني عنصر من التراث اللامادي السوري يسجل على قوائم اليونسكو بعد عنصر «الصقارة» الذي تم العمل عليه وتسجيله بشكل مشترك مع عدة دول، لكن عملياًخيال الظل هو أول عنصر سوري بخبرات سورية خالصة يسجل على قوائم التراث الإنساني في وقت كان شديد القسوة على سورية أثناء تعرضها لحرب ممنهجة استهدفت هويتها بشكل أساسي.

وقال: «إحدى نتائج الحرب التي لامسناها خلال إعداد ملف «خيال الظل» هجرة المخايل السوري الوحيد الذي كان يحمل هذا العنصر بشكل رئيسي، لذلك توجهنا لنوفر بيئة مناسبة وداعمة لنعيده إلى بلده ليكون جزءاً أساسياً من هذا العمل ولينقل المعرفة والإبداع لغيره من السوريين، وفي الوقت الحالي استطعنا أن نملك فريقاً من المدربين المخايلين ومستمرين كل سنة بتخريج خبرات وطنية جديدة».

وأوضح أن كتاب خيال الظل قيمته الأساسية لكونه مادة علمية ترتبط بالجانب الإنساني وبتاريخ هذا التراث الذي يتعلق بالناس الذين صنعوا شخوصه التي تمثل المجتمع السوري، فمن خلال خيال الظل وشخوصه استطاع أجدادنا أن يخلقوا مساحات من الحوار ليعكسوا هموم مجتمعهم وتحدياتهم ومشاكلهم.

تتويج جهود

وفي تصريح لـ«لوطن» قالت مديرة البرنامج الوطني للتراث الحي في الأمانة السورية للتنمية د. يارا معلا: «إطلاق كتاب «خيال الظل السوري» هو تتويج لجهود أربع سنوات من خطة صون وطنية لحفظ هذا العنصر الذي كان مهدداً بالخطر، وهذه الخطة بدأت بالتوثيق وبالإدراج على السجلات الوطنية إلى جانب العمل بشكل مستمر بالتعاون مع الشركاء الرئيسيين في وزارة الثقافة الذين يوجهون البوصلة نحو العمل التنموي لصون هذا العنصر، وإلى جانب عملية التوثيق قمنا بعمليات تدريب متكاملة وشاملة لإعداد مخايلين جدد بدأت في دمشق ثم انتقلت إلى محافظات مختلفة كالسويداء وحلب وطرطوس».

ولفتت إلى أن أهمية الكتاب تنبع من كونه وثيقة وطنية تتوج وتوثق هذه الجهود وهذه العناصر النادرة الموجودة في سورية، وتؤكد أن عناصر التراث اللامادي مع عناصر التراث الثقافي المادي هي ركيزة تنموية أساسية نعمل عليها حتى نتعلم دروساً وعبراً من الماضي، وفي الوقت نفسه من الممكن أن تكون إحدى ركائز تأمين سبل العيش للمخايلين الذين تم إعدادهم.

إنجاز كبير

وقال مدرب خيال الظل للأمانة السورية للتنمية عمار حسن: «منذ عام 2014 بدأنا بالاهتمام بهذا العنصر وصولاً إلى تسجيله على قائمة الصون العاجل في اليونسكو بأواخر عام 2018، ثم انطلقنا ببرنامج تدريبي امتد لعدة سنوات ومجموع المخايلين الذين خرجناهم بلغ عددهم 75 مخايلاً في عدة محافظات سورية. وكان ذلك بمنزلة إنجاز كبير نقل هذا العنصر من قائمة الخطر ليكون موجوداً في الحياة اليومية».

وأضاف: «خيال الظل كعنصر تراثي وثقافي وفني يمسنا كسوريين وكان بمرحلة ما يجمعنا لأنه كان كتلفاز قديم، والمخايل كان بمنزلة المذيع أو الممثل، بالتالي حمل ذاكرة مجتمعنا وكان يتحدث عن تاريخ وبطولات وقصص اجتماعية. وشخصياته كانت تحمل صفات وخصائص ومدلولات مختلفة على الصعيد الاجتماعي أو البطولي أو الناقد».

وتابع: «ما تقدمه الأمانة السورية للتنمية من خلال الكتاب هو توثيق لرحلة صون خيال الظل والخبرات التي تراكمت نتيجة سنوات من العمل، وهذا الكتاب يشمل جانباً نظرياً وتاريخياً وجانباً علمياً وتقنياً، وجانباً يتعلق بالخطوات والأدوات التي اتبعناها في عملياتنا التدريبية مفصلة من الألف إلى الياء».

تجربة مميزة

وقالت المخايلة غالية شحادة: «مسرح خيال الظل هو مسرح تراثي تم توثيقه على لوائح الصون العاجل لليونسكو، وكان لي تجربة مع الأمانة السورية للتنمية بإتمام ورشة عمل تدريبية لتجهيز كوادر جديدة لهذا العنصر التاريخي المهم، خرجت منها كمخايلة وأنا أعتز كثيراً بهذا اللقب، والتجربة كانت مميزة وممتعة استطعنا من خلالها أن ننقل الكثير من الرسائل عن المجتمع وكل ما يحدث حولنا. وأتوقع أن المجتمع تقبل هذه التجربة وسيكون لها تأثير إيجابي بالنسبة للعقول ولتغيير وجهات النظر».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن