بين الإيقاع واللغة والنقد ولدت قصيدته … العرفي لـ «الوطن»: القصيدة عملية مخاض تستوجب معاناته التوتر والقلق الدائمين
| عبد الحكيم مرزوق
الشاعر الدكتور وليد العرفي شاعر وباحث له أكثر من عشرين كتاباً مطبوعاً في البحث الأدبي والدراسة النقدية والشعر، وهو حاصل على دكتوراه في الدراسات اللغوية من جامعة تشرين، وحائز عدة جوائز في الشعر والدراسة الأدبية.
• كيف تلمس وليد العرفي طريقه إلى الشعر؟
تلمس الطريق كان في مرحلة الإعدادية بمحاولات تقليد الشعراء الذين كنا نحفظ قصائدهم في كتبنا المدرسية، ولا أنسى في هذا السياق تشجيع مدرس اللغة العربية الذي كان يشيد دائماً بموضوعات التعبير الإنشائي لدي، وأذكر في هذا السياق حادثة رسخت لدي حب الشعر عندما اختلفت مع مدرسي حول بيت من الشعر، فصوب المدرس ما أملاه على زملائي بما ذكرته، وأثنى على حسن تدبري وفهمي للبيت الذي طلب مني أن أمليه على زملائي ليدونوه على دفاترهم.
المعيار الأهم درجة شعرية القصيدة
• بداياتك كانت مع بحور الفراهيدي ثم خرجت عنها لماذا؟ هل وجدت فيها عجزاً عن التعبير عما تريد قوله؟
في الواقع بدأت بما عرفت من شعرنا في المدارس، وكان من الشعر التقليدي، وقد استهواني فيه الإيقاع واللغة، والروح الشعرية فيه، وهو ما جعلني أكتب نمط قصيدة العمود مدة لا بأس بها من الزمن، ثم بتفتح المعرفة، والاطلاع على الشعر المعاصر بدأت إرهاصات شعر التفعيلة تظهر لدي، فكتبت على هذا النمط من دون أن يكون ذلك رفضاً أو تخلياً عن القصيدة العمودية، وفي هذا السياق أؤكد أنني لست مع أو ضد نمط من التعبير، فما يعنيني هو الشعرية سواء كانت على نظام الفراهيدي، أم شعر تفعيلة، فالمعيار الأهم درجة شعرية القصيدة بغض النظر عن شكلها الذي غالباً لا يكون عن سبق إصرار من الشاعر، إنما تفرضه الحالة النفسية والتعبير الانفعالي بها، ولذلك كتبت في أنماط القصيدة المختلفة، وفي ديواني الصادر مؤخراً عن دائرة الثقافة في الشارقة تجد قصيدة الومضة، والشعر العمودي، وقصيدة التفعيلة، فالشكل ليس هو الأساس، إنما تعنيني الروح التي تعبر من خلال الشكل الذي يأتي لباساً قد يتغير، إنما الأصل للروح التي تبقى نابضة بحياة القصيدة، وقد ذكرت ذلك في تعريفي للشعر في إحدى قصائدي فقلت:
الشّعرُ ليسَ بأشكالٍ تُزيّنُهُ فربَّ باطنِ غيمٍ غير ما برقا!
فكمْ قبيحٍ بغيرِ العينِ ندركُهُ يُرى الغرابُ إذا ما صوتُهُ نعقاً.
الجوائز علامات فارقة
• فزت بأكثر من جائزة في مسابقات الشعر والنقد، هل تعتقد أن هذه الجوائز تمنح الكاتب جواز سفر لتسميته أديباً ومبدعاً، وماذا تضيف هذه الجوائز برأيك؟
تكون الجوائز علامات فارقة، ونتائج تراكمات تجربة سابقة، فهي ليست جواز سفر، إنما شهادات ثناء وتقدير، وتوثيق لمسار تجربة، وبهذا فإن الجائزة لا تمنح جواز سفر، بقدر ما تسلط الضوء على ما كان معتماً أو مُعتَّماً عليه ــ اللهم إن كانت الجائزة حيادية وموضوعية، وغير ذات هوى.
رغبت ماء النبع لا الفرع
• أنت حائز دكتوراه في الأدب العربي اختصاص (الدراسات اللغوية) ما الذي أغراك للبحث في هذا المجال؟
يُعدُّ الدرس اللغوي أساس كل العلوم الأخرى التي وجدت، ولولا اللغة لما وجد الإبداع اللفظي، فلا يمكن النظر إلى الأدب بمعزل عن اللغة التي أنشأته وقام على أساسها، غير أن الاختصاص كان نتيجة الوعي بأن اللغة هي الجذر الذي يمكن أن تتفرَّع عنه جميع الأغصان وما تحمل من أزهار وثمار، ولذلك اخترت الجذر، لا الغصن، وآثرت النبع ولم أختر الفرع، كما رغبت ماء النبع لا الفرع.
الرغبة في تجاوز الذات
• تقول في أحد لقاءاتك: «كل قصيدة أكتبها أعدها بداية جديدة» هل يعني أنك ما زلت تتهيب كتابة القصيدة، وأنت دكتور في الأدب العربي؟
البداية في قولي السابق بمعنى الرغبة في تجاوز الذات، ومحاولة الإتيان بما هو جديد من دون تكرار لما قيل، وإعادة ما هو كائن، وهذه الرغبة تجعل الشاعر في حالة توتر أسميه التوتر الخلَّاق الذي لا يركن إلى ما هو مألوف ومكرر، ولذلك تجنح الذات إلى محاولة التحليق بعيداً متجاوزة إمكانيات اللغة باختلاق لغة جديدة، وهذا التحليق يؤدي إلى خلق مهابة من التحليق الذي لا يعرف مدى قدرته على استكناه النفس، والتعبير عن مكنونات الروح التي قد تضيق اللغة عن التعبير بما تحس به وتعيشه، وبذلك تبدو القصيدة وليدة عملية مخاض لا شك أن معاناته تستوجب التوتر والقلق الدائمين، كما هي الحياة التي لا يمكن أن تتوقف عن الحركة إلا بتوقفها النهائي في دورة الزمان.