ثقافة وفن

البحث عن الثقافة

| إسماعيل مروة

يتحدث المتخصصون في السينما عن غيابها وغياب دورها، ويندب آخرون المسرح وخشباته وما حدث لسوفوكل وإسخيلوس وإبسن وبريخت وسعد الدين وهبه وسعد الله ونوس، ويبكي الشعراء واقع الشعر، ومع ما يحملونه من غلّ وحسد على الشعراء المجيدين الذين رحلوا أو الذين هم على قيد الحياة، يبكون على نزار قباني وصلاح عبد الصبور ومانع سعيد العتيبة وعبد الله الفيصل وأدونيس، وتصل البكائيات إلى شعراء يختلفون معهم في التوجه والحياة والإيديولوجيا.

يقول نقاد: هذا زمن القصة والرواية، ولكننا نجد من يشكو من افتقار الساحة الأدبية العربية للروائيين والقاصين، ولا وجود لأمثال نجيب محفوظ ويوسف إدريس وبهاء طاهر، والطاهر وطار وعبد السلام العجيلي وشكيب الجابري وحنا مينه وعبد الله عبد وصدقي إسماعيل وهاني الراهب، وحتى في الدراما التلفزيونية هناك من يرثي أيام الدراما الهادفة والموجهة التي تخدم المجتمع، فيتذكر أسامة أنور عكاشة ومحفوظ عبد الرحمن وعادل أبو شنب وخالد حمدي وعلاء الدين كوكش!..

لن أتطرق إلى الإعلام وأعلامه، وأكتفي بما يدور حول الأدب حيث كنا نتحلق حول كثيرين من هذه القامات في جلسات علمية أو في أماكن عامة، حتى في الفن التشكيلي وعلى اختلاف التقييمات والرؤى نتذكر بحب أصحاب التجارب الفارقة من لؤي كيالي إلى فاتح المدرس وناظم الجعفري وغازي الخالدي وحسين حمزة وسواهم.. السؤال المهم: هل الواقع الثقافي بخير؟ وما الأسباب التي جعلته في هذه الحال؟

إن المشهدية الكاملة للواقع الثقافي يجب أن تكون منطقية للغاية، فنحن أمام واقع متغير ومتبدل، وأمام حالات اجتماعية وفنية مختلفة، ونعيش مخاض تحولات قد تشبه إلى حد ما تحولات ما بعد الاستقلال ومولد تلك الطبقة من الذين نفخر بهم، ونعيش كذلك حقبة تخلو من النظريات الأدبية والفكرية المؤثرة، وتخلو من التيارات السياسية المتنوعة بين أقصى اليسار واليمين والوسط، التي كانت في مطلع القرن العشرين في أوجها، وتعيش حرباً أيديولوجية قوية، وقد ذكر كتاب ونقاد غربيون مهمون أن عدداً من المبدعين والمفكرين الذين كانوا في الغرب عملت الآلة الإعلامية الشيوعية أو الرأسمالية على حد سواء على انتشارهم وتوسع دائرتهم بسبب انتمائهم.. فأين التيارات الفكرية والسياسية التي تحمل وتحمي وتنشر أسماء مبدعيها اليوم؟ إن عدداً كبيراً من هذه التيارات وصلت إلى السلطات في بلادها وترهلت، ولم تعد معنية بحال من الأحوال بالمثقفين والمبدعين الذين حملوا رسالتها!

والأمر لدينا لا يختلف كثيراً عن الواقع الخارجي، وكلنا يعلم أن التيارات السياسية والفكرية في الوطن العربي عملت على الترويج لأدبائها، وعلى رفعهم فوق أقرانهم الذين قد يتفوقون عليهم، واستمر الأمر حتى تسعينيات القرن العشرين، والأسماء محفوظة لأدباء عاديين تم رفعهم إلى مكانة كبرى، مع أن النقد كشف مصادر نصوصهم! ومع ما تحمل الرؤى الإيديولوجية من مشكلات ومحظورات إلا أنها كانت تشكل بيئة ثقافية مهمة، فهذا مع البورجوازي وهذا مع الشيوعي، وثالث مع البعثي أو ضده، لكن الحراك كان مهماً، والثقافة كانت في حالة جيدة من الحراك والتنافسية.. والدليل على صحة القول إننا لو أردنا اليوم أن نقدم كثيراً من الأعمال الفنية والأدبية والثقافية التي قدمت سابقاً، فإننا لن نجد قبولاً لها اليوم، وإن وجدنا فإنه سيكون فاتراً وعادياً مهما بلغ من المكانة، وربما لم تسمح الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية بالعمل عليه، ابتداء من تسجيل مجزرة مزرعة بحر البقر في مصر التي ارتكبها عدوان صهيوني، وصولاً إلى التغريبة الفلسطينية، وناصر 56 وعز الدين القسام، وربما امتد الأمر ليشمل أم كلثوم ونزار قباني، لأن الظروف الموضوعية ومن كل جانب كانت مختلفة تمام الاختلاف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن