ثقافة وفن

تربطني بمهرجان قازان علاقة قوية والتكريم هذه المرة جاء من أهل البيت … كلثوم لـ«الوطن»: أظن أن إدارة مؤسسة السينما الجديدة ستتخذ قرارات لمصلحة السينما السورية وتحقق مشروعنا الوطني

| مصعب أيوب

كان له حضوره في كثير من المهرجانات العربية والإقليمية مكرماً بعد نتاجه السينمائي الذي تمحور في جله عن الحرب وتبعاتها إضافة إلى الدراسة الأكاديمية فقد صقل خبرته وموهبته في إنتاج الأفلام القصيرة، وعليه فقد نال الكثير من الجوائز، مؤخراً كرّم مهرجان قازان السينمائي الدولي بنسخته العشرين المخرج السوري المهند كلثوم، بمنحه دبلوم المنبر الذهبي، وذلك مساء يوم الأربعاء 7 أيلول الجاري2024، في قازان عاصمة جمهورية تتارستان.

«الوطن» في حوار خاص مع المخرج المهند كلثوم حول تكريمه الأخير وشيء من مسيرته.

• في البداية أخبرنا عن التكريم الأخير في قازان وما الجديد الذي لمسته في تكريمك، أو ما الاختلاف في هذا التكريم عن غيره؟

تربطني بمهرجان قازان علاقة قوية بدأت منذ نحو 15 عاماً، وكنت خلال الأعوام المنصرمة بصفة مشارك، وتلقيت جائزة من لجنة التحكيم التي حددتها اللجنة العليا للمهرجان، وتوالت الزيارات مرات عديدة وبت من أحد أفراد هذا المهرجان ومحاضراً ومقدماً للعديد من ورشات العمل، ولكن هذا التكريم كان له طبع خاص، لأنه جاء من إدارة المهرجان بمناسبة مرور عشرين عاماً على تأسيسه، وربما العلاقة التي حاولت تأسيسها بين هذا المهرجان ومهرجانات الوطن العربي والمهرجانات الإقليمية، فكنت مساهماً في تطويره نظراً لأهميته، ولم أعد نفسي يوماً شخصاً غريباً على المهرجان، بل كنت واحداً منهم، فالتكريم ليس مقابل الإبداع والمنتج السينمائي وإنما تكريم لدعم وتطوير الثقافة السينمائية ونشرها وبناء تشعبات كثيرة للمهرجان مع مهرجانات أخرى، فيعني لي الكثير لأنه جاء من مكان غير متوقع وهو ذو طعم مختلف.

• خلال مشاركاتك الكثيرة والمهرجانات التي شاركت فيها، ما الذي وجدت أن السينما السورية تفقده؟

أعتبر أن المشاركة في أي مهرجان سينمائي سوري هو نقطة إيجابية للسينما السورية، فجميع المحافل التي كنت فيها حملت دائماً القضية السورية والروح السورية، فنحن اليوم لم نأت بهذه التكريمات من العدم، لأن المنتَج السوري منافس بطبيعة الحال بقوة في المهرجانات الدولية ولعل ما يدمغ قولي هو وجود الأفلام السورية على منصات التتويج، فدائماً نأمل عودة السينما لأوجها ونحن ضمن هذه الظروف يجب أن نكون أكثر تسويقاً ونشراً لهذه الثقافة، فالسينما عابرة للقارات وهي من تخلق لغة الحوار بين الشعوب، من خلال الأفلام وتبادل الآراء والنقاش بعد العروض، ولنحقق ذلك لا بد من المهرجانات ولسبب غياب المهرجانات هنا نضطر للمشاركة في مهرجانات خارجية، ونخضع لشروط وقوانين ربما تنافي معتقداتنا أو مبادئ ثقافتنا وطقوسنا، ولكن عندما نكون أصحاب التنظيم والقرار نحدد نوعية المادة المعروضة ونقدم ثقافتنا في المقدمة ونسمو بها، فكم نحن بحاجة اليوم لمهرجان دمشق السينمائي الدولي ومهرجان أيام دمشق السينمائي ومهرجان سينما الشباب؟

• ما الذي يمنع عودة هذه الأفلام أو ما يقاربها وما البديل منها؟

برأيي هذا الأمر مرهون بوزارة الثقافة التي من مهامها تنشيط ونشر ودعم الثقافة السورية وتلقف الإبداعات والتجارب الأخرى من خلال المهرجانات والمعارض، فمنذ قرابة عام نفتقر للنشاطات السينمائية إذ توقف مهرجان سينما الشباب الذي اعتدنا عليه في كل عام مرة لتغطية أحلام الشباب السوريين، فحرم الشباب المحترفون والهواة من المنافسة بينهم، فلا يمكننا لومهم إذا اتجهوا للمشاركة في مهرجانات خارجية في ظل غياب الدعم اللازم، ولدينا مشكلة في صالات العرض في الدرجة الأولى، فمن أنجز فيلماً وأضناه وأجهده أين سيعرضه؟ وإن كانت هناك مبادرات فهي خجولة جداً، وإن كان الجواب أن الوضع الاقتصادي سيئ وهذا الحال على كل القطاعات والمجالات، فيمكننا التنسيق مع المجتمعات الأهلية والمنظمات الدولية ونخلق شيئاً جميلاً ومهماً، فمعظم المهرجانات حسبما أعلم تكون الحكومة هي الراعي الرئيس إضافة إلى وجود شركاء ورعاة لهذه المهرجانات.

• هل يساعد قصر طول الفيلم برأيك في انتشاره ومتابعته وبالتالي تقييمه والحكم عليه ولماذا لم تقدم فيلماً طويلاً؟

الفيلم يبقى فيلماً مهما بلغ طوله، إضافة إلى أن الأفلام بدأت أساساً قصيرة،وأنا لم تقدم لي الفرصة المناسبة لتقديم فيلم روائي طويل وأنا لا أرفض ذلك إطلاقاً، فأنا كأي صانع أفلام، أريد تقديم جميع التجارب، وربما كنت في وقت من الأوقات خارج حسابات مؤسسة السينما، وربما كان هناك توازنات أخرى، وربما يستند ذلك إلى المعرفة الشخصية والأصدقاء منطلقين من مبدأ الشللية والواسطة والمحسوبيات، ولكن في ظل الإدارة الجديدة للمؤسسة العامة للسينما أظن أن الأمور ستتجه نحو الأفضل لتحقيق مشروعنا الوطني والثقافي وجميعنا يأمل بذلك.

• كنت عضواً في عدة لجان تحكيم، ما مدى صعوبة هذا التكليف؟

هي فعلاً كما ذكرت تكليف ومهمة صعبة جداً، لأنني بصفتي الطبيعية كمخرج أو مشاهد، أحضّر الفيلم وأقيّمه بطريقة اعتباطية، ولكن أن تكون في لجنة تحكيم فهذا يحتم عليك الدقة والموضوعية والأمانة، فرأيك سيحدد مصير أحدهم وسيكون مفصلياً في التفاضل حول المعروضات، فالمهمة كبيرة جداً، وأتمنى أن أكون شفافاً وموضوعياً وخفيفاً، فما يهمني أولاً وأخيراً محتوى الفيلم بذاته بعيداً عن جنسيته أو مخرجه.

• قدمنا الكثير خلال السنوات الماضية عن الحرب السورية والخطف والمسلحين وما إلى ذلك، ألم تأن مرحلة تقديم فصول التعافي والتبشير بالأمل الجديد القادم؟

أنا أحب السينما التوثيقية في الحقيقة ولابد من إشباع تلك المرحلة وحملها للأجيال القادمة وللتاريخ، وإن قلنا إننا دخلنا في مرحلة التعافي، فمن صاحب القرار والمال الذي يحدد الطرح؟ هذا بطبيعة الحال مرهون بالجهة المنتجة فأنا مخرج ووثقت الحرب وأحب أن أقدم شيئاً للقادم، ومن يمثل الجهة الممولة هو المؤسسة العامة للسينما وهي من تقرر التوجه اللازم وملاءمته للفترة الراهنة، أو موافقته للقيمة الفكرية والتوجه الثقافي لها.

• قدمت عدة أفلام ذات طابع تربوي وتثقيفي وتوعوي، كم هو مهم أن تمارس السينما هذا الدور؟

ضمن تقلبات الحرب وعشوائيتها، هناك الكثير من الأفكار التي دخلت عالمنا ومجتمعاتنا في ظل وجود السوشال ميديا جاءنا الكثير مما يخالف قيمنا وقانوننا وأعرافنا، فالسينما عليها مهمة الحفاظ على القيم والمبادئ، وباتت أسرع في الانتشار بعد أن تعاونا مع المحطات الرسمية والمدارس ومؤخراً عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

• كم تبلغ نسبة المخاطرة عند المهند كلثوم في عمله؟ اختيار الممثلين والنص ومواقع التصوير وما إلى ذلك؟

في السينما عنصر المفاجأة جميل دائماً ومتوقع، وأنا مجازف جداً في خياراتي وأجد أن جميعها كانت صائبة، سواء بمواقع التصوير، فصنعت أفلامي في بيئة حرب واشتباك ومناطق غير آمنة، وكنا نجازف لصناعة وثيقة للتاريخ، فنضطر أحياناً لإيقاف التصوير ساعات طويلة أثناء عمليات الاشتباك، فهل لك أن تتخيل حجم المخاطرة؟ إضافة إلى التعاون مع وجوه شابة جديدة.

• وماذا عن الموافقات والأذونات بالتصوير في تلك المناطق؟

نحن كنا مع الجيش جنباً إلى جنب وكان علينا توثيق ما يحدث وتلقينا الدعم اللازم من جميع الجهات المسؤولة ولم نجد أي صعوبات، وأحياناً كثيرة يؤمنون الحماية لنا.

• لماذا لا نراك في المسرح؟

المسرح موجود دائماً في حياتي وأنا أحرص على الحضور في معظم العروض المسرحية وأحضر عروض التخرج للمعهد المسرحي بشكل دائم، وقد قُدمت لي عروض لنصوص مسرحية قبل عدة سنوات ولكن لسوء الحظ وبسبب السفر والارتباطات الأخرى لم نوفق في ذلك، ولاسيما أن المسرح يحتاج لتفرغ أكثر وجهد ووقت أكبر.

• هل بدأت تلمس مستقبلاً للأفلام القصيرة أو ما يبشر بقبولها؟

هذا الأمر برسم وزارة الثقافة وإن لم يكن هناك ما يدعم سينما الشباب، فأظن أننا سنفتقد هذه الفئة من الشباب، فلو فكرنا قليلاً بشأن المعهد السينمائي، ما مصير الدفعات التي تتخرج فيه اليوم؟ الجواب عند الجهات المسؤولة بالطبع، وقد كان لدينا قبل عدة سنوات إنتاج قرابة 20 فيلماً قصيراً ضمن مشروع أفلام دعم الشباب، إضافة إلى عشرة أفلام احترافية قصيرة، أما اليوم فعلى ما اعتقد ألغيت أفلام دعم الشباب، وبقيت أفلام قليلة فقط قصيرة، فهذا الموضوع يجب دراسته دراسة معمقة، فهل لدى وزارة الثقافة مشروع للسينمائيين الجدد؟

• لماذا لا يشارك القطاع الخاص في نهضة السينما؟

بكل بساطة لأن أصحاب رأس المال يهتمون للربح المادي السريع، والسينما عائدها المادي يكون على المدى البعيد، فيخوض المنتج السينمائي مرحلة التوزيع في الصالات ومن الممكن أن يحقق أرباحاً ومن الممكن ألا يحققها، علاوة على عدم وجود الصالات لدينا التي تتيح تسويق وتوزيع الشريط الفيلمي خلالها، وبالتالي تلجأ الجهة المنتجة للسوق العربية، وهو ما يعده المنتجون مغامرة ومجازفة ولا يفضل معظمهم خوض تلك المغامرات ويكتفون بالإنتاج التلفزيوني ذي الربح السريع مع مساحة انتشار أوسع.

• برأيك ما الذي ينقص السينما السورية اليوم لكي تكون في مصافِ السينما الرائدة؟

ينقصنا الكثير في حقيقة الأمر، وفي البدء هو قرار هيئات أو مؤسسات وحكومات ولا بد من اشتراك القطاع الخاص في ذلك، فهو ليس قراراً فردياً، ولا بد من افتتاح الصالات الحاضنة للمنتج السينمائي، وهو ما يحتاج للكثير من المال، ونحن عندما نتكلم عن السينما نتكلم عن ثقافة بلد وهويته وبالطبع التعاون والعمل الجماعي سيثمر، ونحن لا تنقصنا الخبرة، فالسوري مبدع وفي أحلك الظروف يستطيع أن يبدع، ولا بد من قرارات جريئة تدعم هذه الصناعة، ولا بد من تقديم الإغراءات أو التسهيلات للقطاع الخاص، فلنتشارك في الثقافة كما نتشارك في التجارة والصناعة، فعندما يصل المنتج السينمائي السوري للخارج لا يصنف على أنه عام أو خاص، بل يصنف على أنه سوري فحسب.

• أخيراً، ما الذي تحضر له في الفترة القادمة؟

أقوم بالتحضير لفيلم قصير يحمل اسم «طعم البرتقال» فيه محاولة للبحث عن السعادة في ظل ضجيج ما بعد الحروب ومن المفترض أن تنطلق عمليات التصوير قريباً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن