مرض يأكل صاحبه
| د. اسكندر لوقا
الناس، كما نردد في أدبياتنا بين وقت وآخر إنهم أجناس. فثمة بينهم من يعتقد أنه في المستوى الأعلى من بقية البشر، وثمة من يكتفي بمعرفة قدره ويسعى إلى تثبيتها بالمزيد من المعرفة أو العمق فيما يعرف، وذلك وصولاً إلى مرحلة الاكتفاء حسب تقديره.
وبطبيعة الحال، إن أناساً من هذا النوع الأخير هم الأقرب إلى من ينظر إلى سواه بمنظار موضوعي خال من الشوائب الاجتماعية أو النفسية، ولهذا الاعتبار تندرج مقولة التربية التي تقود الإنسان إلى معرفة ذاته أولاً فضلاً عن معرفة الآخرين، وبذلك لا يضل سبيله على غرار من يخرج إلى العالم منادياً: أنا هنا، أنا فقط، لا أحد سواي!
بذلك، تبدو الفوقية على لسان منادٍ كهذا، كما المرض الذي يطفو على سطح الجلد أو تحته ويبدأ بأكل صاحبه خلية بعد خلية، فضلاً عن ابتعاد الآخرين عنه تجنباً للعدوى، ومن دون أن يحقق مكسباً على المدى الطويل أو القصير.
إن مغالاة البعض من الناس بأنهم «فوق» والآخرون «تحت» هو من نوع الأمراض التي تصيب الضعفاء لا الأقوياء من الناس. ولا أعني بالضعف أو القوة ما يبدو على عضلات الجسم، بل أعني ما هو كامن داخل النفس. مثل هذه القناعة لدى البعض منا حول حالة مريض كهذا- «نفسياً بشكل خاص»- تجعلنا في حالة البحث الدائم عن مخرج لكسب ثقته بنا وثقتنا به ولكن عبثاً.
في سياق العلاقات بين الناس، في البيئة الواحدة أو المجتمع الواحد، قلما يمكن إيجاد غطاء لظاهرة الادعاء على هذا النحو، وخصوصاً فيما يتصل بمعرفة الذات أولاً حتى لا يضع الإنسان نفسه أمام امتحان قد لا يكون قادراً على تخطيه من دون دفع ثمن مهما كان ضئيلاً.
هذا المرض، مرض الاختباء وراء الـ«أنا هنا» والـ«أنا فقط» و «لا أحد سواي» من المؤكد أنه، مع مرور الوقت، سيكون سبباً في إحداث خلل ما في شخصية الإنسان الذي يعتقد أنه «فوق» والآخر «تحت»، ولهذا يحذرنا المؤرخ والفيلسوف الروماني ميرسيا إلياد «1907- 1986» من أن الإنسان «لا يتوصل إلى صنع نفسه كلياً إلا بمقدار ما يُبطل القداسة عنه ويبطلها بالنسبة إلى العالم».