«الحساب المفتوح» في مواجهة «الحزام الناري»
| علي عدنان إبراهيم
يبدو أن ثقل الحرب انتقل كلياً إلى جبهة جنوب لبنان مع فلسطين المحتلة بعد أن بات العدو الإسرائيلي يدور في حلقة مفرغة في غزة منذ أشهر، إذ لم يتحقق أي من أهدافه بعد نحو عام على اندلاع الحرب فلا استطاع تحرير أسراه بالقوة ولا تمكن من قضم أراضٍ من غزة أو تهجير أهلها من الشمال باتجاه الجنوب ولا وصل لمبتغاه بالقضاء على قيادة حماس، بل ازداد تورط حكومة الاحتلال التي يترأسها بنيامين نتنياهو في المشكلات، وصار وقف الحرب والجنوح لعقد اتفاق تبادل أسرى نهاية حتمية لنتنياهو الذي سيخضع لمحاكمة داخلية بعد أن يهدأ غبار الحرب قد تودي به إلى السجن على أقل تقدير إضافة لما سيعنيه الخضوع لاتفاق ترتضيه حماس من إذلال لإسرائيل وصورتها في عيون جبهتها الداخلية وبالتالي بدء عملية انهيارها.
ومن هذا المنطلق كان لزاماً على نتنياهو رفع التصعيد إلى أقصى درجاته مع لبنان بحجة تأمين الشمال وإعادة المستوطنين إليه فكانت العمليات الإرهابية التي بدأها بتفجير أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي وألحقها بالغارة الإجرامية على الضاحية الجنوبية من دون أي التفات لقواعد الاشتباك التي بقيت ثابتة طوال الحرب ومنعت توسع المواجهة وانتقالها لشكل الحرب الشاملة التي قد تودي بالمنطقة كلها، واستكملها بإعلان خطة «الحزام الناري» وهي عبارة عن غارات عنيفة ومكثفة على جنوب لبنان وشرقه حيث ثقل المقاومة وبيئتها الحاضنة لدفع هذه الأخيرة نحو التخلي عن حزب اللـه عبر إحداث تدمير ممنهج وشامل لمنازل المواطنين والمزارع والمنشآت اتضح شكله تماماً خلال بدء موجات الهجمات الجوية التي تجاوزت المئة غارة خلال ساعة واحدة، مستهدفاً رداً واسعاً من حزب اللـه يجر المنطقة إلى المواجهة التي يريدها نتنياهو ليأتي بالأميركي إلى ساحة المعركة وينقذ نفسه من الورطة المحيقة به.
حزب اللـه وعلى الرغم من حجم الإرهاب الذي صبّه العدو على جنوب لبنان وشرقه وعلى الرغم من فقدانه خيرة القادة بالغارة الإجرامية على بيروت بقي ثابتاً في ردود أفعاله وبياناته العسكرية ولم ينجر لما يريده جيش الاحتلال من إبراز كل أوراقه معاً، إلا أنه رفع مستوى التصعيد العسكري عدة درجات بما يتناسب مع حجم العدوان وضرورات المرحلة وأهمية التأثير في الجبهة الداخلية للعدو ودفع المستوطنين للاقتناع بأن المنطقة الواقعة بين حيفا وحدود لبنان الجنوبية باتت مساحة غير مضمونة للعيش بهدف إبعادهم عنها وقلب المفاهيم من محاولة إسرائيلية لتأمين الشمال وإعادة المستوطنين إليه إلى أعداد أكبر من النازحين الإسرائيليين وتفريغ مستوطنات جديدة كما بات حال مستوطنات الشمال منذ أشهر.
رسالة الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر اللـه خلال خطابه الأخير عقب مجزرة البيجر كانت واضحة بأن جبهة إسناد غزة لن تتوقف مهما كانت التحديات، وعودة المستوطنين إلى الشمال المحتل محض خيال قبل وقف الحرب على غزة «لن تستطيعوا إعادة السكان إلى الشمال، وهذا هو التحدي بيننا»، نصر اللـه أعلن التحدي للهدف الإسرائيلي المعلن بما يعنيه ذلك من دخول حكومة نتنياهو نفقاً جديداً من الوعود الفارغة والأهداف غير القابلة للتحقق، ويبقى الحل الوحيد بالنسبة للجيش الإسرائيلي لتحقيق عودة المستوطنين إلى الشمال في هذه الحالة هو محاولة دفع حزب اللـه باتجاه ما وراء الليطاني بهدف إفقاده قدراته الصاروخية في الجنوب وإيجاد شريط أمني في جنوب لبنان تدور فيه المعارك بدل أن تدور في الجليل الأعلى وإصبع الجليل، وبدا واضحاً في خطاب نصر اللـه أن هذا السيناريو هو المفضل لدى المقاومة «أي دخول للأراضي اللبنانية نعتبره فرصة تاريخية ستكون له تأثيرات كبرى على المعركة»، حيث ستؤدي حتماً إلى شكل موسع عما كان الوضع عليه في حرب تموز عام 2006 وما حملته السنوات العشرون من تطور في قدرات حزب اللـه على إدارة المعركة برياً.
نائب الأمين العام لحزب اللـه نعيم قاسم أطلق رسمياً اسم معركة «الحساب المفتوح» على المرحلة الراهنة، هذه المرحلة التي بدأت بإطلاق نوع جديد من الصواريخ الثقيلة التي طالت لأول مرة منذ بدء الحرب مناطق في حيفا المحتلة، إذا ما تم استثناء الرد الأولي على اغتيال القيادي فؤاد شكر، والتي استبدلت صواريخ الكاتيوشا القصيرة المدى وذات الهدف الإشغالي فقط بصواريخ «فادي1» و«فادي2» التدميريين والتحذيريين بأن القادم قد لا ينال إعجاب المستوطنين وحكومة العدو على السواء، إلا أن العودة للكاتيوشا غير ممكنة وقد يكون الاتجاه لإخراج صواريخ أكثر دقة وفاعلية وتدميراً كما قد يتم تفعيل بنك الأهداف الإستراتيجي للانتقال من ضرب القواعد العسكرية إلى ضرب المنشآت الاقتصادية في حال أقدم العدو على استهداف العاصمة بيروت مجدداً، حيث قال في خطابه الأخير عقب إطلاق رشقات الصواريخ الثقيلة الأولى باتجاه الأراضي المحتلة: «ما جرى ليلة أمس دفعة على الحساب في معركة الحساب المفتوح وراقبوا الميدان».
الغارات الوحشية الإسرائيلية على جنوب وشرق لبنان التي قالت عنها صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية: إن «الجيش استعد على مدار سنوات من أجل هذه الهجمات بدعم شعبة الاستخبارات وسلاح الجو»، والتي أسفرت حتى مساء أمس بحسب وزارة الصحة اللبنانية عن 356 شهيدا بينهم 24 طفلا و42 سيدة بالإضافة إلى 1246 جريحاً، وبموجة نزوح هائلة من معظم مناطق الجنوب باتجاه العاصمة بيروت وجاءت بضوء أخضر أميركي أكده وزير حرب الكيان يوآف غالانت بالقول إنه أطلع نظيره الأميركي لويد أوستن على ما قال إنه «عملياتنا لتقليص قدرة حزب اللـه على شن هجمات ضد المدنيين الإسرائيليين»، ما يعني الموافقة الأميركية الصريحة على إبادة اللبنانيين بعد إبادة سكان قطاع غزة، وهذا يجعلها شريكاً مباشراً في العدوان ويجعل من عودة مبعوثها الخاص آموس هوكشتاين إلى لبنان لبحث محاولات خفض التصعيد نفاقاً يجب الرد عليه سياسياً عبر مؤسسات الدولة اللبنانية وعسكرياً عبر حزب اللـه باتجاه إسرائيل.