بين «الإسناد» و«الدفاع»
| منذر عيد
قد يكون من السهل على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حصد تفوق سهل ووهمي على المقاومة اللبنانية، من خلال لجوئه إلى استهداف المدنيين اللبنانيين في منازلهم ومحالهم، ليوصل رسالة إلى الداخل الصهيوني الممتعض من سياسته، وعجزه أمام إسناد حزب الله لقطاع غزة، وسيطرة الأخير بالنار على جميع المستوطنات في الشمال، بأن الجيش الإسرائيلي استعاد قوة الردع، لكن سكرات العجز التي لحقت به على جبهة الجنوب في مواجهة المقاومة الفلسطينية، جعلته يتصور أن اللجوء إلى مبدأ الصدمة عبر موجة الإرهاب الشامل قد تدفع حزب الله إلى التراجع سواء في جبهة الإسناد نصرة لغزة، أو في الجغرافيا إلى ما وراء الليطاني كما يطالب نتنياهو.
قد لا يختلف اثنان بأن المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله ما بعد تفجير «البيجر واللاسلكي»، دخلت مرحلة جديدة عما قبلها وخصوصاً بعد العدوان الشامل الذي بدأت شنه قوات الاحتلال على المدنيين في لبنان منذ أول من أمس، إذ إن تلك الاعتداءات نقلت المواجهة من طابع الإسناد إلى مرحلة تحديد المصير والدفاع عن لبنان، وخاصة وأن وزير حرب الكيان يوآف غالانت أعلن صراحة قبل أيام أن مركز الثقل يتحرك شمالاً، ويعاد توزيع الموارد.
بين «الإسناد» و«الدفاع» ثمة العديد من القراءات الجديدة لدى الحزب، والتي سوف تنعكس حكماً على الميدان، والداخل الإسرائيلي، فما كان من فعل مقاوم إسناداً لغزة، لا يمكن أن يبقى كما كان، أو يردع الاحتلال عما يقوم به من جرائم، بل إن المرحلة الجديدة، أفسحت بالمجال أمام حزب الله إلى توسيع دائرة استهدافاته لتتجاوز مستوطنات الشريط الحدودي بين فلسطين ولبنان إلى عمق 160 كم، ولتصبح مناطق الجليل الأعلى والأوسط وصولاً إلى حيفا في مرمى صواريخ حزب الله، بما تحويه تلك المناطق من قواعد ومطارات ومصانع عسكرية.
تؤكد الوقائع، أن حزب الله أمام كم الإجرام والإرهاب الإسرائيلي، لن يبقى في حالة الانضباط وضبط النفس التي تميز بها في مرحلة «الإسناد» بل إن الظروف والحيثيات باتت تشكل الأرضية المناسبة للانتقال إلى مرحلة السقوف المفتوحة المنفلتة من الضوابط، وهو ما أكد عليه الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله في الثالث من كانون الثاني الماضي بقوله: «نحن حتى الآن نقاتل في الجبهة بحسابات لذلك هناك تضحيات، لكن إذا فكر العدو أن يشن حرباً على لبنان حينها سيكون قتالنا بلا حدود وضوابط وسقوف، ومن يفكر بالحرب معنا فسيندم وستكون مكلفة وإذا كنا نداري حتى الآن المصالح اللبنانية، فإذا شُنّت الحرب على لبنان، فإن مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية أن نذهب بالحرب إلى الأخير من دون ضوابط».
يبدو أن نتنياهو يعيش وهم أن اللجوء إلى قتل المدنيين في الجنوب وعموم لبنان وتهجير السكان من منازلهم، قد يؤلب الحاضنة الشعبية للحزب، ويدفع بها إلى التخلي عن دعمها له، وبأن ذلك سوف يضعف الحزب في بيئته، ويضعه أمام إحراج أنه المسبب في آلام اللبنانيين، ويصبح غريباً منبوذاً في أرضه، كما أنه يظن لوهلة أن ما قام به من جرائم عبر تفجيرات «البيجر واللاسلكي» واستهداف عدد من قادة الحزب، أضعف فعلاً المقاومة، وقضى على عدد كبير من رجالاتها، وهو ما لم يتحقق في حقيقة الأمر، وبأن نتنياهو وقع كما عادته في خطأ الحسابات والتقديرات، وهو ما تؤكده صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، بإشارتها إلى أنه حتى بعد هجوم الأجهزة اللاسلكية، يقدر أن لدى حزب الله ما بين 30 و50 ألف مقاتل جاهز، وما يعادلهم من قوات الاحتياط، مؤكدة أن الحزب يعد قوة عسكرية أكبر وأكثر قدرة من حركة حماس، التي لا تزال تقاتل بعد عام تحت القصف، مشددة على أنه من الخطير التعويل على أن إسرائيل ستخرج منتصرة، في حال تصاعد القتال.
أمام تأكيد نصر الله في حزيران الماضي أن «هذه أعظم معركة تخوضها الأمة منذ 1948 ولها أفق واضح ومشرق وستغير وجه المنطقة وستصنع مستقبلها»، ثمة سؤال كبير، هل يظن العدو الإسرائيلي أنه قادر فعلاً عن إخراج حزب الله من معادلة المواجهة وجبهة الإسناد، وهل يظن نتنياهو فعلاً أنه بإجرامه وإرهابه مهما تفاقم، أن يغير إيمان وعقيدة رجال نذروا أنفسهم على طريق الشهادة وتحرير الأرض، وبأن من دفع الدم وقدم الشهداء في الحرب الأولى والثانية، ووصل إلى ما وصل إليه، يمكن أن يرفع الراية البيضاء في الحرب الثالثة، ويعود إلى ما خلف الليطاني؟ واهمون أنتم بما تفكرون.