نتنياهو يدور في حلقة مفرغة
| تحسين حلبي
حين يعلن رئيس حكومة الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه يريد «تصفية منطقة جنوب لبنان من قوات حزب اللـه وترسانته القتالية الصاروخية وإبعاد قواته إلى ما وراء نهر الليطاني» ويشن لتحقيق هذا الهدف غارات جوية غير مسبوقة بكثافتها فوق الجنوب والأراضي والبلدات اللبنانية فإنه يتناسى أن حكومات مناحيم بيغين ومن جاء بعدها منذ عام 1982 حاولت بعد اجتياح شبه شامل لكل أراضي لبنان تحقيق غاية مماثلة حين احتلت جنوب لبنان وأنشأت فيه مجموعات مسلحة لبنانية مرتزقة عميلة لمنع المقاومة اللبنانية الوطنية والإسلامية في ذلك الوقت من استهداف الحدود الإسرائيلية، وفي النهاية تمكنت المقاومة بمساندة ودعم القوات السورية المنتشرة في لبنان والفصائل الفلسطينية المسلحة، من دحر قوات الاحتلال وتطهير جنوب لبنان من هذه المجموعات التي سحبها الكيان إلى داخل حدوده عام 2000، وتحول الجنوب إلى جبهة مقاومة مستمرة لتحرير بقية الأراضي اللبنانية المحتلة في مزارع شبعا وغيرها ولدعم المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف داخل فلسطين المحتلة، وفي عام 2006 حاول رئيس حكومة الكيان إيهود أولميرت، اجتياح الجنوب وإعادة احتلاله والتمركز فيه لإبعاد حزب اللـه عنه إلى أبعد منطقة من حدود الكيان الشمالية، وهزم على غرار من سبقه على أراضي الجنوب بعد 34 يوماً من القصف الصاروخي على مستوطنات وبلدات الكيان، وأعاد الحزب تحديث وتطوير قدراته وزيادة عدد صواريخه وقذائفه من جديد وفرض قوة ردع طوال أكثر من 16 عاماً، ومع ذلك يحاول نتنياهو الذي يواجه حرب استنزاف مكثفة من عدة جبهات مقاومة في القطاع وفي الضفة الغربية ومن جبهة جنوب لبنان الحدودية المساندة العودة إلى تكرار المخطط الإسرائيلي ضد المقاومة في الجنوب بعد أن أخفق في تحقيق أهدافه أريئيل شارون عام 1982 وإيهود أولميرت عام 2006، ولبنان بوساطة حرب الاستنزاف التي شنها حزب اللـه في الثامن من تشرين الأول الماضي إسناداً للشعب الفلسطيني ومقاومته في قطاع غزة يعد في هذه الظروف أكثر حصانة في جبهته الداخلية الشعبية والحزبية والسياسية ومعظم فئاته متمسكة بحماية المقاومة مهما كان الثمن الذي تكلفه وستجعل مخطط نتنياهو للاستفراد بحزب اللـه أو الجنوب محكوما بالهزيمة من جميع النواحي العسكرية أو السياسية، وهذا ما يتوقعه الباحث الإسرائيلي في «مركز ميسجاف لأبحاث الأمن الإسرائيلي» يوسف روزين، في تحليل نشره في صحيفة «معاريف» في 24 أيلول الجاري، فتحت عنوان «إسرائيل تظهر الآن كلاعب مجنون يستدعي الحذر وما تزال تبحث عن هدف إستراتيجي» يرى فيه أن «غاية إسرائيل في هذه المرحلة المتصاعدة لهجومها على حزب اللـه ما تزال غير واضحة حتى لو استشهدنا بما تقوله القيادة السياسية والعسكرية، ويمكن التقدير بأن غايتها هي التوصل إلى حل سياسي من المواجهة مع حزب الله»، ويرى أن ما يجري الآن هو رسالة لحزب اللـه «تدعوه فيها إلى إيقاف المعركة ضد الشمال وربما يمكن تحقيق حل دبلوماسي، وهو ما يرغب به الأميركيون ويضغطون من أجل تحقيقه»، وبالمقابل يبدو أن القيادة العسكرية الإسرائيلية تميل إلى الامتناع عن أي حرب برية للدخول إلى الجنوب لأسباب عسكرية خوفا مما يخبئه لها المقاتلون من حزب اللـه من مفاجآت كان عدد من القادة العسكريين الإسرائيليين قد حذروا منها واقترحوا تجنب مثل هذه العمليات البرية لأن جنوب لبنان يختلف تماماً عن قطاع غزة المحاصر من كل الاتجاهات في حين يتمتع الجنوب بدعم من عمقه اللبناني ومن حدوده مع سورية وامتداد أطراف محور المقاومة منها إلى بغداد وطهران، ومن الواضح أيضاً أن أي اختراق عسكري بري لجيش الكيان سيؤدي حتما إلى إطالة حرب الاستنزاف التي ستستهدف أي قوات تنتشر له في الجنوب إن نجح في اختراقه فيصبح أمام نفس تجربة ما قبل عام 2000 والنتيجة التي فرضتها المقاومة بانسحاب القوات الإسرائيلية دون قيد أو شرط.
لكل هذه الأسباب يتوقع روزين أن تنتهي جولة التصعيد الإسرائيلي التي تستخدم سلاح الجو فقط إلى حل دبلوماسي لن يغير في وضع المجابهة بين حزب اللـه وإسرائيل لكن نتنياهو قد يحتاجه للإعلان بأنه خاض حرباً على عدة جبهات وانتهت باتفاق سيزعم أنه انتصار للكيان، وتكون واشنطن بهذه الطريقة قد جمدت الوضع بانتظار نتائج ما بعد الانتخابات الأميركية دون أن تخسر شيئا.