قضايا وآراء

التصعيد في جبهة لبنان ومخاطر الانزلاق نحو الهاوية

| محمد نادر العمري

تشهد المنطقة عموماً وجبهة لبنان بشكل خاص، تصعيداً عسكرياً يحمل العديد من المخاطر التي يتمثل أبرزها في إمكان انفلات الأمور وعدم القدرة على ضبطها ما يهدد المنطقة كاملة، ولاسيما في ظل استمرار حكومة اليمين المتطرف برئاسة بنيامين نتنياهو من استغلال مجموعة من التجاذبات في المواقف والتطورات الداخلية والإقليمية والدولية، للإمعان في ارتكاب المزيد من الانتهاكات من مجازر وخرق لقواعد الاشتباك لتحقيق مصالح متعددة الأوجه والمسارات.
إن تطور العمليات العسكرية على جبهة لبنان، يشير إلى تحول جبهة الإسناد إلى جبهة تتجاوز فيما تشهده مجرد الإسناد وأقل من الحرب الشاملة، وخاصة في ظل التحولات الآتية:
أولاً- إدخال منظومة ونوعية أسلحة جديدة للمقاومة اللبنانية من طراز فادي 1و2و3، والطائرات المسيرة، حمل العديد من الرسائل، لعل أبرزها انتقال الحزب لمرحلة متطورة من عملياته النوعية واستهدافاته بعيدة المدى وفق ما وصفها نائب الأمين العام بمرحلة «الحساب المفتوح»، دفعت الكيان نحو المزيد من جرعة الوقاحة لارتكاب الجرائم على غرار ما شهده العدوان الواسع يوم الإثنين الماضي بدافع من حكومة اليمين المتطرف بعد أن ألغى رئيسها بنيامين نتنياهو زيارته إلى الولايات المتحدة الأميركية لإلقاء كلمة داخل الجمعية العامة بدورتها التاسعة والسبعين، في دلالة على نية هذا الكيان عموماً وهذه الحكومة بشكل خاص على تصعيد الأمور تجاه لبنان والمنطقة، وما منح نتنياهو المزيد من جرعة الوقاحة هذه للمضي في هذا السلوك مجموعة من الأمور أهمها:
1. رضوخ وزير دفاعه وشريكه الحزبي في الليكود، يؤاف غالنت، لتوجهات نتنياهو في هذا التصعيد بعد حالة المراوغة والمناورة والابتزاز التي نفذها نتنياهو من خلال الإيحاء باستبدال غالانت بحليفه الحزبي السابق جدعون ساعر رئيس حزب الأمل الجديد.
2. ارتفاع نسبة المستوطنين المؤيدين لعملية عسكرية إسرائيلية في لبنان وفق ما أظهرته استطلاعات الرأي التي أجرتها صحيفة «إيديعوت أحرنوت» نهاية الأسبوع الماضي، لما يزيد على ٦٥ بالمئة، بعد مجزرتي البيجر وأجهزة الاتصالات اللاسلكية بيومين، والانقسام الحاصل داخل هذا الكيان لا يتعلق بعدم رغبتهم بشن أي حرب، بل في الانقسام حول المطالب بهذه العملية بعد إنجاز تحرير الأسرى، أو دونها.
3. وجود العديد من القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية المؤيدة لهذا التصعيد والذين يصنفون ضمن اليمين واليمين المتطرف ولهم خلفيات استيطانية، في مقدمهم قائد سلاح الجو الإسرائيلي تومار بار، والمسؤول عن الجبهة الشمالية.
4. إعلان الولايات المتحدة الأميركية إرسال حاملة طائرات «يو إس إس هاري ترومان» للمنطقة على متنها خمسة آلاف عسكري، برفقة ٣٤ فرقاطة عسكرية، لتنضم إلى مجموعات مقاتلات وغواصة نووية وحاملة الطائرات أيزنهاور، الموجودة شرق المتوسط لحماية هذا الكيان والحفاظ على المصالح الأميركية بالمنطقة.
5. اقتراب موعد الأعياد اليهودية وفي مقدمها رأس السنة اليهودي مطلع شهر تشرين الأول القادم وعيد الغفران وجملة من الأعياد، التي سيتخذها نتنياهو وسيلة لتغذية العدوان بطابع ديني.
6. اقتراب موعد الانتخابات الأميركية وعدم نجاح إدارة الديمقراطيين التي يترأسها جو بايدن من تقييد توجهات نتنياهو بالتوصل لصفقة يمكن استثمارها في هذه الانتخابات، مع رغبة الأخير باستغلال اقتراب موعد هذه الانتخابات لتحقيق هدفين، الأول جر الولايات المتحدة لحرب بالوكالة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مستغلاً تأثير اللوبي اليهودي وثقله في الانتخابات، والثاني مساعدة المرشح الجمهوري دونالد ترامب بالنجاح بهذه الانتخابات والوصول للسلطة من خلال توريط الديمقراطيين بمستنقع الصراع في الشرق الأوسط، لاستكمال صفقة القرن.
ثانياً- إعلان رئيس هيئة الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي تسمية العدوان على لبنان باسم «سهام الشمال» بما يتضمنه ذلك بالعديد من الدلالات التي تتمثل في:
1. السهام وليس السهم، يعني أن هذا العدوان يحمل العديد من الأهداف قد تتعدى الإطار الجغرافي للبنان نحو أهداف إقليمية.
2. هناك أهداف إستراتيجية وتكتيكية، إستراتيجية قد تشمل التوجه نحو تغيير موازين القوى على مستوى المنطقة، وهو ما أشار له وزير المالية بتسلئيل سموتريتش بقوله «من الآن فصاعداً إسرائيل ستغير قواعد اللعبة»، إضافة لتدمير بنية الحزب وفك الارتباط بين جبهتي جنوب لبنان مع غزة عسكرياً بشكل كامل أو عسكري وسياسي، وهو ما يدفعنا لفهم دوافع وسبب زيارة وفد فرنسي يترأسه المبعوث الرئاسي، بشكل مستعجل لبيروت لنقل رسالة لحزب اللـه عبر الحكومة أو رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري، لدفع الحزب نحو الموافقة على إحدى المبادرتين الفرنسية أو الأميركية لترسيم الحدود البرية، إضافة لهدف إعادة المستوطنين إلى مناطقهم.
3. تكثيف العمل الناري على غرار ما حصل عام ١٩٩٦ من خلال عدوان عناقيد الغضب، المعتمدة على سلاح الجو، والتمهيد لعمل بري، وهي النقطة التي لم ينفها أو يستبعدها الكثير من المسؤولين العسكريين، عبر اللجوء لهذه الكثافة النارية لمنع الحزب من إطلاق الصواريخ باتجاه فلسطين المحتلة، ما يزيد ذلك من إنجازات نتنياهو وحكومته وفق أوهامهم.
4. استخدام المدنيين وارتكاب أكبر عدد من المجازر للضغط على الحزب لعدم الرد أو قبوله بالشروط الإسرائيلية المختلفة، وهو ما دفع الحزب بالتأخر بالرد محافظاً وملتزماً بقواعد الاشتباك عبر استهداف القواعد العسكرية، وقد يكون الهدف من ذلك إما احتواء هذا الكم الهائل من الكثافة النارية واستنزاف مقدرات الهجوم الإسرائيلي من خلال اتباع التمويه والمناورة ونشر المجسمات لإفقاد الكيان من عنصر التفوق الجوي، أو قد يكون بهدف تأمين خروج المواطنين من الجنوب والبقاع والعمل على تأمين سلامتهم قبل الشروع بتوسيع دائرة الرد.
5. الإعلان الإسرائيلي بأن هذا العدوان تم بعلم وضوء أخضر أميركي، في دلالة لعدم وجود إرادة أميركية حقيقة لتحقيق الاستقرار على مستوى المنطقة، ولعل بيان وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» مساء الإثنين الماضي، خير دليل على ذلك عندما حمل حزب اللـه مسؤولية هذا التصعيد، والإعلان عن استمرار الدعم المقدم للكيان والاعتراف بأحقيتها بالدفاع عن أمنها.
ثالثاً- من خلال الاغتيالات التي يقوم بها الكيان الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية، سواء القائد فؤاد شكر أم إبراهيم عقيل، وفي محاولة اغتيال علي كركي، ومؤخراً محاولة اغتيال المسؤول عن وحدة الصواريخ في الحزب وفق ادعاء الإعلام الإسرائيلي، يمكن لنا أن نلاحظ عدة أمور:
1. تبني الكيان إلى جانب استخدام الكثافة النارية ومحاولة تأليب الحاضنة الشعبية، لسياسة اغتيالات الصف الأول من الجيلين الأول والثاني المؤسس لحزب اللـه في محاولة لإضعاف قدرات الحزب ومحاولة إحداث تصدع في الهرم التنظيمي، ونشر حالة الذعر والخوف بين صفوف وقيادة الحزب أو الشخصيات المرشحة لتولي أماكن القيادات المستهدفة.
2. معظم الاغتيالات من خلال الاعتداءات التي يرتكبها الكيان الإسرائيلي في الضاحية الجنوبية، في انتهاك لقواعد الاشتباك، غالباً ما تطال قيادات فاعلة بالحزب، وهي مطلوبة في ذات الوقت من الإدارة الأميركية ومصنفة ضمن قوائم الإرهاب الأميركية، نتيجة دورها في تفجير مقر المارينز ببيروت عام 1982، وهو ما تستغله تل أبيب لتسويغ اعتداءات تخرق بها قواعد الاشتباك باستهداف بيروت، بدعم وغطاء أميركي.
3. خوض جولات من الحرب النفسية وإحداث حالة من الخلخلة عبر تسريب إشاعات عن اختراقات أمنية كبيرة يعانيها الحزب، أو من خلال نشر الدعاية بأن الحزب هو المسؤول عن هذا التصعيد وغير ذلك.
بالعموم المنطقة تقف على حافة الهاوية، ولاسيما مع سعي نتنياهو على تقديم نفسه للداخل الإسرائيلي بأنه الشخصية الثالثة في تاريخ هذا الكيان بعد بن غوريون المؤسس بعد نكبة 1948، ومناحيم بيغن الذي شن نكسة 1967، وأنه القادر على تحقيق مصالح الكيان في الحماية والتوسع والمواجهة، وهو ما يزيد من احتمالات انزلاق المنطقة نحو الهاوية.

كاتب سوري

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن