ثقافة وفن

الحب لذوي الحق به

| إسماعيل مروة

حين ينظر المرء حوله، في بلدة أو مدينة، في دولة أو إقليم، فإنه لابد أن يعود إلى مقولات مهمة، فالخير يبدأ من الذات، وغير القادر على حب نفسه، هو عن حب غيره أعجز، ومن يرفع شعاراً غير الحب، فإنه مهما علا، لا قيمة له ولا قيمة لشعاره، فابن زيدون أبقاه الحب لا الوزارة، والمعتمد بن عباد أبقاه الحب لا الإمارة.. وإن كان قادراً على حب نفسه، فهو قادر على حب من حوله، وقادر على تقديم كل ما لديه بإحساس الحب الذي لا يمنن ولا يستكثر، وليس بإحساس الواجب الذي ينتظر الرد على الفضل، ويمضي عمره يعيش وهم نكران الجميل من الآخرين..

وبالحب وحده، وهو حالة وجدانية عالية مجتمعية، وليست حالة فردية بين متحابين يمكن للإنسان أن يقدم الخير لمجتمعه، لإيمانه بأن هذا الخير يمكن أن يشمله، وهو الباذل عندما يحتاج، فحب المسؤول لمن حوله حين يشق طريقاً، أو ينشئ مركزاً صحياً، أو مجموعة كهربائية يجعله محط اهتمام ورعاية، فهو في موقعه الذي فيه قد لا يحتاج كل هذه الأشياء، لأنه مستغن عنها بماله ونفوذه، ولكن الحياة لا تدوم، ودعك من أن هذا قد ينتهي لفساد أو ما شابه، لكنه عندما ينتهي سيحتاج الطريق والمركز الصحي، وحتى دار المسنين، وسينعم بخيرات زرعها الحب.. أما إذا لم يتمتع بالحب، فإنه يعود إلى بيئة فقيرة بما لديها، ولن يتمكن من أن يجد خدمة من الخدمات التي كان يظنها رفاهية لمحيطه.

يقول ابن المعتز، وهو من هو في المكانة والأدب والبلاغة، (إن مالك لا يغمر الناس، فاخصص به ذوي الحق)، إن أي واحد يمرّ بأوقات يفيض المال لديه في مرحلة من المراحل، وكم رأينا من أصحاب المال والسلطان، الذين ينثرون المال هنا وهناك، وربما في مواضع لا تليق، ليوصفوا بالكرم، وليتحدث الناس عنهم، ولينسى الناس أصولهم التي لم تكن تملك، بينما ابن المعتز يعطيك من النهاية: اخصص به ذوي الحق.

فالخير يبدأ من النفس ومنحها ما تستحق من قدر وحاجات، ومن ثم ينطلق الإنسان إلى العالم المحيط، وكل من لا يلتفت إلى ذوي الحق يجد نفسه منبوذاً غريباً، ويشعر في قرارة نفسه أنه لا قيمة له، ولا أثر له، وإن توهم أنه غاية في القيمة والأهمية! لكنه في داخله يعلم حقيقة الأمر.

الحب هو الذي يصنع عالماً خاصاً، قد يشاركك فيه كل الناس، وقد لا يشاركك فيه واحد، قد يجعلك مناراً ومهماً، وإن لم تتحقق مصالح أصحاب المصالح على يديك، وقد يجعلك الحب وحيداً في شرنقة من حرير لا يدرك جمالها أحد، تجعلك مغتنياً بذاتك في حاجاتك الروحانية، بينما تسعى بدأب في العمل والحياة العملية لتحافظ على شرنقتك دون أن يؤثر فيها ضوء أو عابث.

الخلاص الفردي الإيجابي يؤدي حتماً إلى مجتمع معافى، فالإنسان في أي مكان يقدم الحب والحب وحده، سيكون مجوداً في عمله، من رب الأسرة إلى عامل النظافة والأستاذ والطبيب، ودون أي دروس وعظية، ودون معالجات مؤلمة سيكون المجتمع بتمامه معافى وخالياً من أي مظهر من مظاهر السلبية والفساد، وتستمر دورة الحياة في عمل أفضل ما يمكن دون أن يطمح الآخر بتدمير من يقابله، وبالنتيجة يكون دمار المجتمع بتمامه!!

من المسكن إلى الحي إلى البلدة والمدينة والوطن رحلة من حب وعشق من الذات تبدأ وإليها الخاتمة في أي أمر، وليس في خاتمة الحياة وحدها.

إلى متى نتوجه بالحقد إلى ذوي الحق، ونطرح أنفسنا مخلصين لغير ذوي الحق؟

في كل مرحلة من مراحل الحياة تحدث أمور تذكرنا بأن الحياة تسير ولا تنتظر أحداً، ولا تقف عند أحد مهما مارس من حقد ودفاع عن مصلحته ومصالح من يلوذ بهم، ولكننا نكتشف متأخرين، والمراقبون لا يحفظون الدرس الحياتي في الحب الذي يبقى وحده (فكن خير حديث ينتقل) لابد أن يبقى الحب طويلاً وإن حاول كثيرون بحقدهم تشويه الحب ومظاهره.. إن كنت محباً فلا تلتفت لشيء، ولا أقول إن كنت محقاً، فكل الذين يرون أنفسهم على حق هم في قلب الخطأ، لكنك إن كنت محباً يمكن أن تصل لكل مبتغاك، وتصل بالآخرين إلى أمانيهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن