لوحة الفنان إبداعية وتصل مباشرة للناس؟ … ناثر حسني لـ«الوطن»: دمشق القديمة وحضارتها موضوعي منذ أكثر من أربعين عاماً
| مايا حمادة
أحدث الفنان التشكيلي «ناثر حسني» نقلةً رائدة نحو الحداثة الفنية عبر رسمه لمواضيع متفردة بألوان دافئة توحي للناظر بأنها لوحات رومانسية ذات أسلوب معاصر، معتمداً على وضع لمسات لونية متناغمة ليصنع نتاج تأثره بما اختزنه من أحاسيس وتجارب فنية عميقة.
• كيف بدأت دروب الفن التشكيلي؟
بدأت رحلتي في فنون الرسم منتصف الستينيات تقريباً في عام 1965م، كان عمري حينها 16 عاماً عندما افتتحت وزارة الثقافة متحف الفنان توفيق طارق للفنون الجميلة الذي كان يعد من الرواد الأوائل في سورية على صعيد الفن التشكيلي، لقد تدربت على يد الفنان توفيق جيداً وقدم لي معارف مهمة ومفيدة لما يتمتع به من مهارات فكرية وفنية متقدمة، مع مرور الوقت تم افتتاح مركز أدهم إسماعيل الذي كان له دور في تعزيز رسالة الثقافة الفنية والجمالية ونشرها في المجتمع، درّست في المركز لفترة قصيرة، ثم تفرغت إلى تدريس الفنون الجميلة في مركز أحمد وليد عزت بشكل كامل.
• بعد هذه السنوات الطويلة من العمل والجهد، كيف ترى طلابك اليوم وكيف أصبحت توجهاتهم؟
طلابي أغلبهم متفوقون ولديهم إمكانيات جيدة ومستوى فني جميل، وبما أنني أقوم بتدريس الأسلوب الواقعي فقد استفادوا كثيراً من تجاربي الفنية الكثيرة ليبتكروا أسلوبهم الفني الخاص، وطبعاً بعد تخرجهم من المركز تمكنوا من صقل خبراتهم المكتسبة برؤيتهم الخاصة وميولهم الفني، منهم من اتجه إلى الرسم بالرموز ومنهم من اختص في تطبيق الأسلوب الانطباعي، الكلاسيكي أو الرومانسي وغيره ليستمروا في متابعة وتطوير موهبتهم.
• حدثنا قليلاً عن مرحلة السبعينيات في حياتك الفنية وعن أثرها في نفسك؟
في السبعينيات وحتى الآن كان جُل اهتمامي منصباً على موضوع دمشق القديمة وتاريخها وحضارتها، والشام هي شامة على خد الزمن، ومن هذا المنطلق عملت خلال السنوات الأربعين التي مضت على تقديم كم هائل من الأعمال والكثير من الأبحاث والدراسات المعمقة المتعلقة باللوحات الزيتية التي يقارب عددها الـ4000 لوحة موقّعة باسمي، وبالطبع الفائدة الكبيرة في هذا الأمر تعود إلى اهتمامي بتكثيف زياراتي لبيوت دمشق العريقة وأحيائها وأزقتها ومحبتي لتفاصيلها عندما كنت المسؤول الفني في مكتب عنبر، حيث حرصت على رسم جميع المناحي المتعلقة بكل منزل على حدة من أجل الحفاظ عليها مع إضفاء الروح جمالية عليها، بالإضافة إلى دمشق قمت بزيارات متكررة لمدينة حلب، ولشدة حبي للبحث المستمر والاطلاع رسمت عدة لوحات عن المدينة الأثرية الخالدة، وبهدف تقديم الدراسات العليا سافرت أيضاً إلى فرنسا لإجراء عدة بحوث في الفن التشكيلي، فزرت متحف اللوفر بباريس عام 1977م، واطلعت بشكل موسع على الأسلوب الرومانسي فأدركت أنه قريب جداً مني، كنت ومازلت في حالة بحث مستمر وهذا يعني أن كل هذه الخبرات والنتاجات السابقة كان لها أثر جميل في نفسي وبالمقابل في نفوس كل المهتمين والمتابعين لي وأنا سعيد بتقديمها بشكل فني وفكري لائق.
• برأيك هل الفنان نتاج الدراسة الأكاديمية أم نتاج الحالة الإبداعية؟
حقيقة الرّسام يقدم أعماله ورسوماته ضمن قواعد وأسس معينة، أما الفنان فهو يبدع بلوحاته ويمتلك إحساساً عالياً، إضافة الى ثقافته الفنية لوحته قريبة جداً من أحاسيس وشعور المتلقي، فمثلاً السيدة أم كلثوم عندما كانت تؤدي أغنيتها على المسرح كانت تدخل مجال السلطنة وهذه الحالة هي ذاتها في الفن التشكيلي عندما يتحد الفنان مع الموضوع الذي يرسمه، فمشاعره المختلفة كلها تتجسد في اللوحة وبرأيي قد يصل منتجه إلى الجمهور مباشرة أكثر من الرسام.
• ما قوة إبداع الفنان؟ وهل يمكن لجمال الفن أن يهزم ويخفي مرارة وقبح النزاعات والحروب القائمة في العالم؟
تمكنت من المشاركة في العديد من المناسبات الوطنية والتاريخية المحلية، والفنان هو إنسان وسفير لبلاده ولتاريخها بكل ما يملك من قدرات إبداعية سواء في الرسم أم النحت أو أي نوع من أنواع الفن وفي النهاية يقدم نفسه للناس بشخصيته وحضوره كفنان من هذا البلد لأي بلد في العالم.
• ما الذي يمكن أن تقوله اللوحة مالا يقوله القلم؟
الرسم هو تعبير حسي من دون كلام، يصدّره الفنان للناس عبر إيصال فكرته الخاصة لهم بوساطة الخطوط والظلال والألوان والنور وغيرها الكثير من المقومات والتأثيرات الفنية، لذلك تبقى الريشة مفعمة بالإحساس ومرتبطة بكل هذه المكونات، في حين بالقلم يمكن من خلاله التعبير عن مشاعر الفنان وأفكاره كتابةً وقولاً من خلال النصوص الأدبية سواء بالشعر أم النثر.
• في ختام الحوار ما سر نجاح الفنان وجمال لوحاته؟
الفن هو حالة إبداعية، وباعتقادي هناك الكثير من الفنانين يعبرون عن وجودهم من خلال لوحاتهم، والرسم مهنة تتطلب المتابعة الحقيقية، ولن يكون هناك نجاح مثمر أو فنان حقيقي من دون الاطلاع والعمل بشكل متواصل.