نتنياهو ما زال في دوامة العجز
| تحسين حلبي
ربما «نفخ» رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه كثيراً حين استعرض في 27 أيلول الجاري خطابه على منبر الأمم المتحدة ونقل للعالم أنه أعطى الأمر من هناك لجيش الاحتلال بارتكاب مذبحة استهدفت المدنيين في الضاحية الجنوبية من بيروت.
وهذا الانتفاخ ربما يرضي أنصاره الذين كانوا قد احتشدوا للهجوم على مظاهرة قامت بها عائلات الأسرى الإسرائيليين وأنصارها في تل أبيب قبل ليلة من سفره إلى نيويورك للمطالبة بوقف النار وإجراء عملية تبادل مع فصائل المقاومة، فقد قذف أنصاره هذه العائلات بالبيض ومنعوا الشرطة من حمايتها، وواقع الأمر في الكيان الإسرائيلي ما زالت تحيط به انقسامات حادة ولم تغير جريمة الضاحية الجنوبية فيه شيئاً ملحوظاً، ففي أعقابها يرى البروفيسور في شؤون الأمن في صحيفة معاريف في 27 أيلول الجاري دانيال فريدمان، أنه «من غير المعقول أن يتبنى نتنياهو القيام باجتياح بري للبنان لإنهاء حزب الله، وهو الذي لم ينجح حتى الآن بإنهاء عمليات الفلسطينيين في القطاع ولا بتغيير الحكم فيه»، وفي النهاية لا تزال تجربة الاجتياح الإسرائيلي للبنان وهزيمة رئيسي الحكومة الإسرائيلية الأسبقين مناحيم بيغين وأريئيل شارون فيه ماثلة حين نجحت أطراف وقوى المقاومة بتحرير الجنوب اللبناني عام 2000، وبالإضافة إلى ذلك يرى رئيس شؤون الحصانة القومية في المركز الإسرائيلي لقضايا السياسة والإستراتيجية في جامعة رايخمان، ليئور أكيرمان، وهو البديل لمركز هيرتسيليا، في تحليل نشره في صحيفة «معاريف» في 27 أيلول الجاري تحت عنوان «إسرائيل تنهار من الداخل وأصبح المطلوب تغيير القيادة» أن «إسرائيل تشهد حالة انهيار في مجال الأمن والاقتصاد والمجتمع والتعليم والصحة، والحل الوحيد لها هو وجود قيادة صادقة ومحترفة تهتم بهذه المجالات، وهذا الانهيار يجري بوتيرة سريعة جداً ويصيب عدداً من المسائل الإستراتيجية ولا أحد يوقف هذا التدهور حتى الآن»، ويعترف أكيرمان أن «انهيار الأمن واضح جداً منذ السابع من تشرين الأول الماضي وهو لم يتوقف لأن الفشل متواصل بسبب الإدارة الفاشلة للمعركة الأمنية والسياسية، فمن الناحية العملية البسيطة لا نجد أن نجاح الأمن والجيش منذ تشرين الأول الماضي تجري ترجمته لمكاسب وإنجازات إستراتيجية شاملة»، وهذا في الواقع ما يقوم به نتنياهو حين ينفذ عمليات استعراضية هوليودية بين فترة وأخرى في جبهة القطاع وفي جبهة جنوب لبنان بحجة أنه نجح في قتل هذا القائد أو ذاك، وحتى حين فجر أجهزة اتصالات البيجير في عدد كبير من اللبنانيين، لم يتعد نجاحه فيها الدرجة التكتيكية المنفصلة عن أي صلة بإنجاز كبير أو إستراتيجي، ومن الواضح أيضاً أن نتنياهو يجد من السهولة إعطاء أوامر لسلاح الجو بارتكاب عمليات قصف وحشية على المدنيين زاعما أنه استهدف أحد قادة حماس أو حزب الله، وهذه العمليات يبدأ بتوظيفها في ماكينات إعلامية غربية ذات انتشار واسع فيصورها على أنها انتصارات، ولو أحصينا عدد المقاتلين والمقاومين الشهداء الذين واجههم جيش الاحتلال لما بلغت نسبتهم سوى أقل من 1 بالمئة من مجموع المدنيين من النساء والأطفال الذين استهدفتهم طائرات سلاح الجو الإسرائيلي في مختلف الجبهات، ورغم هذه العمليات الإجرامية لا يزال جيش الاحتلال عاجزاً عن إيقاف حرب الاستنزاف التي تشنها على قواته المقاومة اللبنانية والفلسطينية في ساحات الكيان الداخلية وعبر حدوده الخارجية خلال سنة، ولذلك يؤكد أكيرمان أن «إسرائيل لن يكون بمقدورها إيقاف هذه الحرب من غزة وجنوب لبنان إلا حين توافق على اتفاق لوقف النار وإجراء تبادل للأسرى، ومن دون إيقاف الحرب من هاتين الجبهتين فلن تتمكن إسرائيل من إيقاف الحرب التي تشن من خارج حدودها سواء من اليمن أم العراق»، ويضيف أكيرمان أن «إسرائيل تمر بأسوأ انهيار اقتصادي في تاريخها منذ عام 1948 وبأسوأ إدارة اقتصادية تزيد من وتيرة انهياره».
وبهذه الوقائع تعد مظاهر «انتفاخ» نتنياهو بعد القصف الوحشي للضاحية بمنزلة بالون لا بد أن يسقط على الأرض.