حكومة الواقع والممكن لا حكومة الأحلام..!
| يونس خلف
إذا كانت لكل حكومة أولويات وشعارات وبرامج عمل تعلن عنها مع بداية عملها إلا أنه بالعودة إلى معظم الحكومات السابقة فإن اللافت هو التشابه والتكرار في الأولويات التي تعلن عنها الحكومات المتعاقبة وأنها لم تستطع أن تنفذ ما أعلنت عنه وما حددته في أولويات عملها، من هنا تبدو أهمية تجاوز قضية أساسية مزمنة وهي الأولويات والشعارات والأهداف والتوصيات المتراكمة دفعة واحدة والوعود بالجملة.
من هنا تأتي أهمية التقاط ما أكد عليه السيد الرئيس بشار الأسد في الاجتماع التوجيهي للحكومة الجديدة بأن تكون هذه الحكومة حكومة الواقع لا حكومة الأحلام، وأن تعمل على الممكن وليس المأمول، مع الأخذ بالاعتبار أننا لا نستطيع أن نطلب من المواطن أن يحدد ما هو ممكن وما هو غير ممكن، لأن المواطن لديه مرجعية والمرجعية هي ما نعلنه في البيان الوزاري وفي التصريحات وفي السياسات المعلنة، ولذلك كان الأمر واضحاً في توجيهات السيد الرئيس للحكومة بأن أول تحد تواجهه الحكومة هو أن تحول هذه الآمال المبنية على الأفراد إلى آمال مبنية على المؤسسات عبر السياسات والخطط المثمرة.
وبالعودة إلى أولويات الحكومات المتعاقبة التي كانت تضع مكافحة الفساد في صدارة اهتمامها، لكن السؤال: ماذا فعلت وإلى أين وصلت بتطوير آلية الرقابة والحد من انتشار الفساد في مفاصل العمل الحكومي؟ وهل أنتجت آليات مناسبة ومؤثرة لمكافحة الفساد؟ وهل قدمت نتائج ومؤشرات واضحة تدلل على إنجاز خطوات حكومية واضحة؟ من هنا يبدو السؤال مشروعاً اليوم: أيهما أهم التفكير في تطوير واقع الحال، أم إيجاد الحلول المناسبة للعوائق التي تواجه ذلك؟
وبالعودة إلى السؤال عن ترتيب الأولويات فإن المنهجية التي تؤدي إلى ناتج فعلي ينعكس على واقع الحال ويسهم في تغييره نحو الأفضل، هي التي تعتمد على توصيف الواقع على حقيقته وتفصيل الحلول على قياس الممكن وما هو قابل للتطبيق وإلا فإن الأفكار النظرية لا تكفي وحدها.
الأمر الآخر يتصل بالإصلاح الإداري، فهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيه السيد الرئيس حول منهجية هذا المشروع، لقد أوضح السيد الرئيس بشار الأسد منذ أن أطلق هذا المشروع أنه يعتمد على محاور عدة أولها إيجاد منهجية واحدة ومتجانسة لكل الوزارات عبر مركز يسمى مركز القياس والدعم الإداري يقوم بوضع الهيكليات والتوصيف الوظيفي وإيجاد آليات لقياس الأداء والأنظمة الداخلية للمؤسسات، وقياس الإجراءات بين المواطن والمؤسسات أو داخل المؤسسات أو فيما بينها، وقياس رضا المواطن والموظف ومكافحة الفساد ووضع خريطة للموارد البشرية الموجودة بشكل تفصيلي ودقيق وخريطة للشواغر وربط الخريطتين مع بعضهما بعضاً من خلال التوصيف الوظيفي.
واليوم نسأل: أين هي هذه المنهجية وماذا فعلت الوزارات المعنية لقياس الأداء؟ وكيف تقوم بقياس رضا المواطن والموظف؟
اليوم تقتضي الضرورة أن نؤكد من جديد على أهمية تجاوز قضية أساسية مزمنة وهي الأولويات والشعارات والأهداف والتوصيات المتراكمة دفعة واحدة وهذه نقطة ضعف كبيرة تعاني منها مؤسساتنا واجتماعاتنا ومؤتمراتنا عندما يتم طرح القضايا والمتطلبات بطريقة (الدوكما) وبالتالي يصعب تنفيذها كلها دفعة واحدة، في حين يجب أن تكون الأولويات محددة وفقاً لزمن تنفيذها وأيضاً بما يتناسب مع الإمكانات المتوفرة حتى إذا كانت بنداً واحداً يكون قابلاً للتنفيذ ويحقق نتائج ملموسة على أرض الواقع ثم ننتقل إلى غيره أفضل بكثير من الأهداف والأولويات التي تطرح بالجملة وتبقى في إطار التنظير والأحلام.