«الذكاء الاصطناعي» سلاح ذو حدين!
| د. قحطان السيوفي
«الذكاء الاصطناعي- Artificial Intelligence»، حديث العالم اليوم، هو أحد أبرز المنظومات الإلكترونية التي تجتاح حياة البشر، وأكثرها جنوناً وجاذبية، إنه فرعٌ من العلوم الرقمية يعنى بتصميم وتطوير خوارزميات تُؤهّل الآلة للقيام بمهام تتطلّب فهماً وأداءً بشريّين، والهدف الأساس منه رفع الكفاءة والمهارة والإنتاجية في سبيل راحة الإنسان، وإضافة إلى فوائده الكثيرة والمتنوعة ورغم أهميته، فهو نوع من الذكاء ليس خيراً كلّه ولا يخلو اعتماده من المخاطر، وخاصة مع توسّع قدراته وسعة انتشاره، فهو يؤدي خدمات باهرة لكنه يكون أحياناً محفوفاً باحتمالات غير مأمون.
التعريف المبكر للذكاء الاصطناعي «AI» جاء من أحد آبائه المؤسسين، ارفن مينسكي الذي وصفه بأنه «علم صنع الآلات يقوم بأمور تتطلب ذكاءً إذا قام به الرجال».
علماء الحاسوب المعاصرون يعرفون الذكاء الاصطناعي كـ«نظام قادر على إدراك بيئته واتخاذ إجراءات لتعظيم فرصة النجاح في تحقيق أهدافه وقدرة ذلك النظام على تفسير وتحليل البيانات».
صياغة مصطلح الذكاء الاصطناعي تم في عام 1956، في مؤتمر علمي في جامعة دارتموث في هانوفر، نيو هامبشاير في الولايات المتحدة الأميركية، ثم تطورت إدارة الذكاء الاصطناعي والبيانات بطريقة مترابطة للغاية، وهذا التطور تم جنباً إلى جنب مع ارتفاع تقنيات قوة الحوسبة وقاعدة البيانات، وتطورت تقنية الذكاء الاصطناعي بسرعة هائلة، وأثرت وغيرت في العديد من جوانب الحياة الحديثة.
ويخشى بعض الخبراء من إمكانية استخدام هذه التقنية لأغراض ضارة، وقد تشكل خطراً على استمرارية بعض الوظائف، وعلى عكس العناصر البشرية، يُمكن لتقنية الذكاء الاصطناعي العمل على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع من دون أن تنخفض معدلات الأداء، كما ويمكن للذكاء الاصطناعي تقليل أعباء عمل الموظفين ويمكن تزويد أجهزة الحاسوب بكميات هائلة من المعلومات والبيانات، لتصبح قادرة بعد ذلك على إنتاج تنبؤات، وحل المشكلات، وحتى التعلم من أخطائها من جانب آخر البعض يرى أن أدوات الذكاء الاصطناعي في طريقها لتضييق عيش البشر؛ بسبب الاحتكار شبه المطبق على التكنولوجيا الحديثة وخوارزمياتها، التي تستخدم أجهزة ذكية بصغر حجم رأس الإبرة، لكنها ذات قدرة فائقة لتحسين العيش أو تضييقه!
ويقول بعض المحللين: إنها تكنولوجيا مجنونة، لأنها تسمح لمصنعيها بالتحكم في أي جهاز يستخدمها، حتى وإن اشتريته بمالك ودفعت ثمنه نقداً.يعتبر البعض الذكاء الاصطناعي «سلاحاً ذا حدين» كما قال مالك تويتر الأميركي إيلون ماسك، وسبق لماسك ومعه مجموعة من الباحثين أن نشروا منذ عام 2017 عريضة يطالبون بأن يكون دور الأبحاث العلمية في الذكاء الاصطناعي هو خلق ذكاء مفيد، وليس ذكاء ضاراً، والذكاء بحدّ ذاته قد يكفي لتطوير الأداء لكنه لا يكفل تحقيق الأمن والأمان.
هناك إشكاليات أمنية وأخلاقية يمكن أن تنتج عن الذكاء الاصطناعي.
الازدواجية بين النور والظلام كانت المحور الأساس الذي ارتكز عليه كتاب «النظر إلى الوجود البشري من بوّابة الذكاء الاصطناعي Knowing Our World: An Artificial Intelligence Perspective- لأحد أهم البحّاثة الخبراء في موضوع الذكاء الاصطناعي وهو د. جورج ف. لوغر الذي يعتبر أهم كتاب أحاط بالموضوع حتى اليوم بالمنتج الخوارزمي الذي ليس مثل قطعة أثاث أو أداة منزلية، إن اشتريتها أصبحت ملكا لك حصراً، أي منتج تديره شريحة خوارزمية ليس ملكاً لشاريها، رغم دفع ثمنه نقداً، فصانع الشريحة الذكية التي تدير أدوات وسلع التكنولوجيا الحديثة له الحصة الأكبر فيها، وخاصة في الإدارة والتوجيه والتحكم في الخوارزمية التي بنيت عليها شركات معدودة لدول قليلة جداً، وهذه تملك المقدرة للمشاركة في تملك السلعة التي تنتجها حتى بعد بيعها، وبواسطة الخوارزمية، قد تتحكم في مصير المالك الجديد رغماً عنه.
تظهر الأحداث إمكانية تطويع التكنولوجيا الحديثة، وتحويل جهاز عادي إلى آلة قتل في المعارك الحديثة بنجاح غير مسبوق في عالم الحروب، وهذا النجاح سيدفع الأمم والدول المالكة والمتحكمة في هذه التكنولوجيا إلى زيادة احتكارها لها، لأنها أداة بتارة كسلاح.
بالمقابل ثمة ضرورة حيوية لضمان أمان المستخدمين واتخاذ إجراءات شفافة وخاصة في مناهج تصميم الأنظمة الذكية، لجعلها مأمونة للجميع ومتوافقة مع السلامة العامة والكرامة الإنسانية والحقوق والحريات والتنوّع الثقافي، فضلاً عن ضمان خصوصية الفرد وشؤونه.
إحدى المسائل المهمة التي طرحها كتاب لوغر تدور حول جدوى العمل على تطوير أجهزة تفكير، «عقول»، غير بشرية، يمكن أن تتفوّق علينا في النهاية، وهذا يعني المجازفة بفقدان سيطرة الإنسان «العاقل» على مسيرة الحياة والحضارة البشرية، وإيكال ذلك إلى مجرّد شرائح مصنّعة من الرمل والفحم والمعدن.
الكثير من العلماء وصلوا إلى حد المطالبة بوقف مؤقّت لتطوير برامج الذكاء الاصطناعي إلى حين اعتماد أنظمة حماية كافية وناجعة تتيح متابعة هذه العمليات ومراقبتها وتحليل المعلومات الواردة فيها، ومعالجة ما قد ينجم عن سوء استخدامها من اختلالات، كما أن لوغر شدد على ضرورة النظر إلى الموضوع من زوايا إنسانية وبيولوجية وفكرية ونفسية.
على الصعيد الوطني تطوير الذكاء التكنولوجي والخوارزمي من المهمات الوطنية ذات الأولوية في الخطط التنموية، وأول لبنة في خطة تنموية لبناء قدرات وطنية في حقل الصناعات الذكية تتطلب إيلاء التعليم العالي أهمية قصوى، وإطلاق معاهد وجامعات أو كليات أو أقسام علمية وهندسية ورياضية تعنى بالعمل الخوارزمي، ودعم الإنتاج الوطني للأدوات والأجهزة الخوارزمية.
ختاماً، الذكاء الاصطناعي بات اليوم ساحة اشتباك معرفي متعدّد الجبهات والمستويات، وأكثر تعقيداً من أي تقنية أخرى، وأصبح تطوير الذكاء الاصطناعي، يترافق بشكل كبير مع الحذر منه والتخوّف مما يمكن أن يُفضي إليه، هذا المستوى الرفيع من الاهتمام والحذر وهذا النوع من العلوم يُؤشّر إلى مدى الأهمية والخطورة التي تتلبّس الموضوع، ويبقى الذكاء الاصطناعي، على أهميته، سلاحاً ذا حدين.
إن من أهم مخاطر استخدام الذكاء الاصطناعي، حدوث ضرر باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي يؤدي إلى المساءلة القانونية أو المالية، اختراق البيانات والمعلومات، وحوادث السيارات الذاتية القيادة، وتزييف الصور، ونشر الشائعات، والتعدي على خصوصيات الأفراد، وهو ما يتطلب وجود تشريعات متخصصة بأدوات الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى القلق بشأن الاستغناء عن العامل البشري في سوق العمل نتيجة دخول تقنيات الذكاء الاصطناعي.
وزير وسفير سوري سابق