ماذا بعد نصر الله؟
| علي عدنان إبراهيم
قبل أيام فقط كان طرح هذا السؤال مربكاً جداً وأقرب إلى اللامعقول على الرغم من أن العدو تمكن خلال فترة قصيرة من تحقيق اختراق غير معلوم التفاصيل في الحزب وتفجير أجهزة البيجر والاتصال اللاسلكي التي أسفرت عن إصابات كثيرة بين عناصره وتدمير شبكة الاتصال المتعارف عليها بين تدرجاته والوصول ربما إلى حالة من الفوضى والبطء في التصرف واتخاذ القرارات على الجبهة، قبل أن تبدأ بشكل مباشر سلسلة اغتيال القادة بالضربة الأولى للضاحية الجنوبية التي ارتقى على إثرها الشهيد إبراهيم عقل ورفاقه، واستمرت بعدها سلسلة الاغتيالات إلى أن وصلت إلى القمة باغتيال الأمين العام لحزب اللـه الشهيد حسن نصر اللـه وعدد من رفاقه وجنرال إيراني ولا تزال مستمرة باستهداف القادة.
إلا أن ما حصل قد حصل، وبات هذا السؤال منطقياً بل أصبح ملحّاً، فالشائعات في ظروف كهذه لا تهدأ، والخوف يبقى على كيان حزب اللـه الذي مرّغ أنف إسرائيل في التراب مرات عديدة وضرورة الإبقاء على حالة الندية حاضرة بكل قوة لإعادة ترتيب الأوراق ووضع قواعد الاشتباك الجديدة التي تريدها المقاومة كي لا يستباح لبنان كما استبيح سابقاً خلال الاجتياح عام 1982.
وكما افترض الإسرائيليون بأنهم أنهوا حالة الصراع مع حزب اللـه عام 1992 إبان اغتيال الأمين العام السابق عباس الموسوي، ثم ما لبثوا أن فوجئوا بأنهم فتحوا على أنفسهم أبواب الجحيم مع تمهيد الطريق لتولي الشهيد نصر اللـه زمام الأمور لمدة اقتربت من 33 عاماً، فإن من الضروري التوقع بأن حزب اللـه لم يبقَ لحظة من دون قياديين أكفاء، فكرسي الأمانة العامة للحزب ليس كرسي زعامة يحاول الجالس عليه تقزيم المحيطين به كي لا يطيحوا به يوماً ما ويستولوا عليه، بل هو كرسي مسؤولية عظيمة وخطر شديد ولنا في خط حياة الشهيد نصر اللـه الدليل القاطع على ذلك، فالرجل بقي متخفياً أكثر من عقد خشية الغدر الإسرائيلي وأعين الجواسيس والخونة لأن الحفاظ على حياته كان بحد ذاته انتصاراً للمحور المقاوم وضعفاً وتراجعاً للإسرائيليين الذين أمطروا مكان وجوده بثمانين طناً من القنابل الأميركية المسماة بالمطرقة، وبميزانية بلغت نحو مليون ونصف مليون دولار أميركي خلال دقائق، وعلى هذا الأساس فإن من يرافق هذا الرجل ويشاركه حياته وأيامه لا بد أن يكون شبيهاً به وما أكثرهم، وعلى العدو هنا انتظار الإعلان عن الأمين الجديد الذي لم يختبره بعد ليبدأ معه مشواراً من الهزائم، كما سار هذا المشوار من قبله مع الأمينين السابقين الموسوي ونصر اللـه والتاريخ شاهد على ذلك.
لكن هناك من يقول: إن ضربة بهذا الحجم كانت تستوجب رداً مباشراً قوياً ومزلزلاً تشترك فيه إيران الحليفة الأولى وتُضرب فيه تل أبيب وحيفا ومنشآتهما الإستراتيجية بل يكشّر فيها الحزب عن أنيابه ويرمي أوراقه دفعة واحدة، وهذا عين الخطأ، بل إن ما يفعله حزب الله، قبل اغتيال الشهيد نصر اللـه وأثناء عملية الاغتيال وما رافقها من آمال بكونه بخير وخوف من رحيله حتى لحظة إصدار الحزب بيان الاستشهاد وما تلا ذلك كله، استمر بطريقة غاية في الثبات على أساس أن جبهة جنوب لبنان لم تفقد هدفها الأساسي لكونها جبهة إسناد لغزة، والضربات الواسعة التي بدأت بتوجيهها مؤخراً تأتي ضمن معركة الحساب المفتوح التي أعلن عنها النائب نعيم القاسم قبل أيام رداً على مجزرة البيجر والغدر الإسرائيلي.
أما الهدف الحقيقي لثبات جبهة جنوب لبنان فهو انتظار الخطوة التالية للإسرائيلي، فالشهيد نصر اللـه أعلن التحدي لحكومة نتنياهو بأنها لن تحقق هدفها المعلن بإعادة المستوطنين إلى شمال فلسطين المحتلة قبل أن تبرم اتفاقاً مع غزة ينهي الحرب ويحرر الأسرى من معتقلات العدو ويعيد كل القطاع لأهله كما كان، وهذا التحدي يؤكد أن المستهدف من قبل حزب اللـه هو ترسيخ الخوف من العودة إلى مستوطنات الشمال، أي استمرار إطلاق الصواريخ والقذائف باتجاهها وهو أمر تكفله قدرات الحزب البشرية والعسكرية والصاروخية طوال سنوات، ربما من دون أن تتمكن الطلعات المستمرة لطيران الاحتلال من حل هذه المشكلة، وإنما الحل يكون فقط بمحاولة الاجتياح البري لجنوب لبنان، الأمر الذي وصفه الشهيد نصر اللـه بالفرصة التي لا يمكن لحزب اللـه تفويتها لتلقين العدو درساً أكثر قسوة من درس حرب تموز 2006، وعلى ما يبدو فإن ما تعتبره إسرائيل إنجازات ميدانية غير مسبوقة تحققت لها خلال الأيام الماضية على جبهة لبنان، ستدفعه بكل غرور إلى غزو الجنوب برياً على أساس أن حزب اللـه تعرض لصدمة هي الأقسى في مسيرته، وما يؤكد ذلك الدعوات المستمرة للاجتياح كقول رئيس بلدية مستوطنة كريات شمونة في إصبع الجليل، أفيتشاي ستيرن: إن «قوات الرضوان لا تزال على الحدود ومن المستحيل إزالة التهديد من دون الدخول البري»، وما قاله القائد السابق لقيادة الشمال في جيش العدو، يائير غولان: «يجب أن ندخل جنوب لبنان ونضمن عدم وجود حزب اللـه حتى الليطاني»، أي لمسافة تقترب من 25 كيلومتراً، وبالمقابل فإن صحافة العدو بدأت تنبه إلى ضرورة حسم الحرب قبل أن يتمكن هاشم صفي الدين، المتوقع توليه منصب الأمين العام لحزب اللـه خلفاً للشهيد نصر الله، من السيطرة على مفاصل الحزب، واصفة إياه بالأكثر تشدداً من نصر الله.
والحقيقة أن حزب اللـه يمارس أعلى درجات الصمت الإستراتيجي والصبر حتى الآن، ولا يزال قادراً على ضبط تحركاته، والدليل المباشر هو الحفاظ على النظام في الداخل اللبناني على الرغم من أن حدثاً كهذا كان يحتمل حدوث فوضى غير مسبوقة في الشارع اللبناني بالتوازي مع آثار العدوان الإسرائيلي المستمر.
أما ما يشاع عن إمكانية تراجع حزب اللـه عن أهدافه من خلال فتح جبهة جنوب لبنان والجنوح لتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار والرضوخ لقواعد الاشتباك التي وضعها الإسرائيلي باستهدافه بيروت ولبنان كله، فهذا ضرب من المستحيل وأقرب إلى الخيال.