ثقافة وفن

المقاومة والشهادة في الفن التشكيلي السوري … الفن ينقل الواقع العربي بالريشة واللوحة إلى العالمية

| مصعب أيوب

يعتبر الفن التشكيلي لغة عالمية، يوصل بوساطته الفنان رسالته إلى العالم، وقد حملت هذه الرسالة في فصول عدة هموم ومعاناة المظلومين وجسدت آلامهم وحفزت على مواصلة الكفاح والاستمرار في طريق النضال، كما لم تخل تلك الأعمال من روح الأمل والتبشير بالنصر من خلال استخدام الرموز الدالة على ذلك من شمس وقمر وحمامة بيضاء ومفتاح وينابيع، واستعان أولئك الفنانون على ذلك أيضاً بألوان تميل إلى الأبيض والأزرق والأخضر.

حقوق مشروعة

عبر التاريخ كان الفن التشكيلي يلعب دوراً بارزاً في تحديد الهوية والانتماء وراسماً مسارات الشعوب، كما أنه تحول في كثير من الأحيان إلى مرجع تاريخي مهم ومصدراً للوثيقة الحقيقية، فخدم الفن التشكيلي القضايا العربية والمحورية على اختلافها مشدداً على دور المقاومة والدفاع عن الأوطان، وكاشفاً زيف رواية العدو فاضحاً لجرائمه، فأصبحت ريشة الفنان السوري تستقي أفكارها وموضوعاتها من المقاومة والحرب، ليدمج ذلك بآلام الشعوب وآمالها وتطلعاتها، ليكشف لنا مدى قوة العمل الفني الذي يحيكه الفنان بريشته ويريه للعالم بأسره، مستخدماً الرموز الإبداعية ومحاكياً الواقع ومجسداً الكفاح البطولي الباسل في مقاومة المحتل الغاشم، ومشيراً إلى ضرورة التمسك بالحقوق المشروعة وعدم التخلي عنها مهما كلف الأمر.

ثقافة التهجير

أخذ أهل الفن التشكيلي في المنطقة عهداً على أنفسهم منذ اللحظات الأولى لبدء الصراع العربي الإسرائيلي ومع بداية هذا العدوان الغاشم في المنطقة بالوقوف جنباً إلى جنب مع المقاومين الواقفين على جبهات القتال سواء في فلسطين أم لبنان أم سورية، مهما طغى هذا العدو وتغطرس ومهما بلغت همجيته وحماقته، أو استخدم أساليب القهر والتهجير والتعذيب، لأنه لا يتعامل إلا بثقافة الدم والقتل محقراً الإنسانية بكل أشكالها، وحمل الفن التشكيلي بمجمله رسائل متنوعة مع اتساع رقعة هذا الكيان على أراضي بلاد الشام، فشكل أبرز أشكال المقاومة، وألهب المشاعر، وعمّق الانتماء.

أحداث وطنية وقومية

يدرك الفنان التشكيلي في منطقتنا أن دوره محوري بريشته محافظاً بذلك على هويته ومقاوماً للاحتلال بجرائمه، فيقول رأيه ويعبر عن فكرته عن طريق اللوحة ليؤكد أنه مقاوم مثله مثل حامل السلاح، ففرض الفنان التشكيلي أفكاره منذ عقود عدة بحيث تدوم الصورة واللوحة لفترة طويلة في النفس، وهو يتشارك مع وسائل الإعلام في نقل وتوثيق الأحداث، فيرسمها خطوطاً رفيعة ويختصر المشهد ويخلق له جاذبية خاصة.

وقد تأثر الفن التشكيلي في منطقتنا بالأحداث الوطنية والقومية ودخلت إليه الكثير من المفاهيم المرتبطة بمبادئ الكفاح والشهادة والنضال، وطرح الفنان التشكيلي هذه المفاهيم بطرق وأساليب فنية عديدة وبمضامين فكرية متعددة وباتت هذه الأفكار تشكل تربة خصبة للفنانين ليتناولوها في لوحاتهم ملتزمين بها ليقدموا مشاركاتهم في المقاومة.

أحداث مفصلية

ومن جملة ما وثق من الأحداث المفصلية في المنطقة العربية بوساطة التشكيل: الثورة السورية الكبرى ضد الاستعمار الفرنسي ١٩٢٥ ونكبة فلسطين ١٩٤٨ والعدوان الثلاثي على مصر ١٩٥٦ وحرب ١٩٦٧ ونصر ٦ تشرين الأول ١٩٧٣ والثورة الفلسطينية وثورة الجزائر وحرب تموز ٢٠٠٦، ومؤخراً عملية طوفان الأقصى العام المنصرم التي بدأ بعد انطلاقها جميع المختصين في التشكيل السوري بإقامة المعارض المؤيدة والمتضامنة مع الحق الفلسطيني مجندين أنفسهم للوقوف إلى جانب المقاومين في غزة، لتحمل تلك المعارض حيث نظمت خلال الـ١٢ شهراً التي انقضت رسالة تؤكد ضرورة التمسك بالمقاومة لأنها الخيار الوحيد للشعوب الحرة التي ترفض الظلم والوحشية والفكر الاستيطاني والشيطاني الذي يحاول العدو الإسرائيلي تكريسه في كل مناسبة.

معركة المصير

في لوحة الشهيد للفنان التشكيلي محمد غالب سالم استخدم أسلوباً فنياً تسجيلياً وتقريرياً في تصوير الشهادة، مؤكداً المضمون المأساوي لحالة الشهيد، فطرحت لوحته الرؤية الفكرية لحالة الإعدام التي قام بها جمال باشا السفاح بحق رجالات وأبطال سورية والتوقيت الزمني الذي جرت فيه، فحفز بذلك لدى المتلقي ضرورة مواصلة المقاومة والكفاح، وقدم صورة واضحة لحالة القهر التي يعيشها الناس.

أما الفنان لؤي كيالي فقد تبنى مفهوم الشهادة بمعرضه الذي أقامه في دمشق وحلب واللاذقية، وكان نقطة تحول مهمة في الحركة التشكيلية، لأنه كان حول القضية، مدركاً أهمية الفن في المقاومة الشعبية لأنه صورة مهمة للواقع.

كما أن لدى وزارة الثقافة السورية لوحة مهمة أنجزها الفنان محمود مكي عام ١٩٨٤ حول الشهادة مصوراً فيها أماً تتأمل ابنها الشهيد الذي قدم روحه رخيصة في سبيل الوطن.

أقام الفنان عبد الرحمن مهنا معرضاً حول الشهادة والمقاومة حمل عنوان «الإنسان العربي ومعركة المصير»، وكان للفنان عبد الرحمن مؤقت نصب تذكاري شهير عن الشهيد يشمخ في ساحة سعد الله الجابري في مدينة حلب.

خلاصة

لا بد أن الفن له دور في مناصرة القضايا والترويج لها عالمياً، وقد كان الصراع العربي الإسرائيلي من أبرز تلك القضايا إلهاماً للفنانين، فنقل أولئك روح الصمود والمقاومة للعالم بوسائلهم الفنية المتنوعة مساهمين بنقل القصة وتوثيق التحديات والروح القتالية لدى المقاومين.

فأكدوا أن لوحاتهم ليست مجرد إنتاج فني جمالي فحسب، وإنما هي أداة تعبير تنطق بما في القلوب وتعزز الانتماء وتثبت الهوية وتحفز دور المقاومة والصمود.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن