قضايا وآراء

وفد الرياض ومحاولات الابتزاز وتسجيل المواقف

| صياح عزام 

بات من الواضح أن مطلب ما يسمى المعارضة السورية في جنيف 3 معالجة ما يسمونه «الملف الإنساني» قبل الشروع في مفاوضات أو حوارات كان تكتيكاً مدروساً، هدفه كسب عقول وقلوب السوريين من جهة، واعتماده شرطاً مسبقاً لإحباط مسار فيينا وتفاهماته، لأن المعارضة ومشغليها لم يتمكنوا من الاقتناع به بعد.
هذه هي النيات الكامنة وراء إثارة هذا المطلب، لأن الحقائق على الأرض تشير إلى أنهم ليسوا حريصين على إنهاء معاناة المناطق المحاصرة من المجموعات الإرهابية، علماً بأن هذه المجموعات هي التي تعرقل وصول المساعدات إلى مستحقيها أو سرقتها وبيعها بأعلى الأثمان.
من جهة أخرى، فإن هذه الرسالة الإنسانية التي أرادت معارضة الرياض تسويقها غير مقبولة في الداخل السوري، بل سيئة جداً في عيون معظم المواطنين السوريين، ذلك أن قصص فساد هذه المعارضة وارتهانها لعواصم متعددة، وتوزعها على محاور مختلفة، وارتباطاتها الاستخبارية باتت رائحتها تزكم الأنوف، هذا إلى جانب تشرذمها وتشتتها وانقساماتها التي جعلت منها كثبان رمل متحركة يصعب رصد حركة تنقلاتها وتبدلاتها.
بكل أسف، يتضح بأن معارضة الرياض ومن يقف خلفها في المنطقة وفي الغرب، يسعون إلى تحويل معاناة السوريين إلى مجرد أوراق تفاوض وابتزاز وتسجيل مواقف، فهم متورطون حتى النخاع في لعبة محاصرة سورية وتجويع أبنائها في المناطق المحاصرة، عبر أدواتهم من الميليشيات المسلحة.. هؤلاء يتحدثون عن مضايا والمعضمية، وأحكموا في الوقت نفسه الحصار على نبل والزهراء، قبل أن يتمكن الجيش العربي السوري من فك الحصار عنهما مؤخراً.
إذاً، الهدف من إثارة الملف الإنساني حسب تعبير المعارضة هو تخريب ونسف مسار فيينا وجنيف من الداخل، وهذه لعبة لم تنطل على أحد، ولكنها تشكل عملية بدء الهبوط المتدرج لمعارضة الرياض من على قمة الشجرة التي صعدت إليها، وسيستمر هذا الهبوط، فبعد لقاء الحادي عشر من شهر شباط الجاري، وبخاصة بعد لقاءات (زيوريخ) للأطراف الدولية الراعية لمسار فيينا، حيث سيكون لموسكو وقفة أخرى حازمة لتشكيلة الوفد السوري المعارض، ذلك أن المعارضة العلمانية والداخلية ستكون ممثلة على الطاولة بقوة في مراحل لاحقة من التفاوض. بمعنى آخر، سيكون هناك وفد واسع وشامل للمعارضة في جنيف 4، وسيتكون من ممثلين عن أطياف المعارضة كافة ولاسيما الداخلية منها، وهذا ما سيضطر المعارضة (معارضة الرياض) إلى الاختيار بين الانسحاب من المفاوضات وإخلاء الساحة، أو الاستمرار بالمقامرة ومواصلة الادعاء بصفة «الممثل الشرعي الوحيد» للمعارضة السورية.
من ناحية أخرى، فإن الحديث عن «وقف إطلاق النار» الذي تطالب به معارضة الرياض، من الصعوبة بمكان تطبيقه على أرض الواقع لعدة أسباب أهمها: أن مرجعيات جنيف (بياني فيينا وقرار مجلس الأمن 2254 والتفاهمات الروسية الأميركية) شددت جميعها على الإصرار على مواصلة الحرب على الإرهاب وتصعيدها، علماً بأن الإرهاب كما يعرف الجميع ينتشر على جبهات عدة ويتمركز بين السكان في المناطق التي يسيطر عليها، فكيف يمكن وقف إطلاق النار بينما تستمر المجموعات الإرهابية في ارتكاب جرائمها؟
والسبب الآخر، أن العديد من المجموعات الإرهابية المسلحة ومنها جبهة النصرة وأحرار الشام وجيش الإسلام وغيرهما؛ وهذه كلها على علاقة تحالف متفاوتة مع معارضة الرياض، وتخضع لأوامر غرف عمليات مشتركة، فكيف لقتال النصرة أن يستمر بمعزل عن قتال الجماعات المسلحة المنخرطة بهذا القدر أو ذاك في القتال في سورية؟ هذا أمر غير واقعي إطلاقاً.
السبب الثالث أن ما يسمى «الفصائل الجهادية» ستواصل الابتزاز والتصعيد وعلى سبيل المثال، مَنْ يُسمّون أنفسهم أحرار الشام انسحبوا من مؤتمر الرياض قبل انتهاء أعماله وقاطعوا الهيئة التفاوضية والوفد المنبثق عنها قبل بدء حوارات جنيف 3.
من خلال ما تقدم يتضح أن مطالب معارضة الرياض هي غير واقعية سواء ما يتعلق بمعالجة ما يسمونه «الملف الإنساني» علماً بأنهم المُسببون له، أو ما يتعلق بمطالبة الجانب السوري بوقف إطلاق النار بشكل شامل، أو وقف عمليات الطيران الروسي، كل ذلك، يأتي في سياق التكتيك والمناورة ولاسيما بعد أن حقق الجيش السوري إنجازات نوعية في معظم الجبهات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن