الزمن طبيب من لا طبيب له
| عبد الفتاح العوض
في زيارة روتينية لأحد المرضى المصاب بكسر، أبدى للطبيب بإلحاح رغبته بأن تكون فترة العلاج سريعة وقصيرة وفي كل لحظة كان الطبيب يتهرب من إعطائه ما يريد سماعه من أن العلاج سيكون قصيراً، وبعد جدل وصل لمرحلة اللاجدوى من الأخذ والعطاء والطبيب قدم له إجابة قاطعة جداً كما لو كانت حكمة قال: (أي كسر حتى يجبر يحتاج إلى وقت).
ما بدا لي في هذه المحاورة على بساطته وربما تكراره مع كل طبيب ومريض فإن حكمة في داخله نكاد نلمسها بعمق، فعلا أي كسر يحتاج إلى وقت أو أي جرح يحتاج إلى وقت حتى يلتئم، أي مرض يحتاج إلى وقت حتى يشفى، لو أردنا أن نتحدث عن هذا الجانب بالجسد فإن الجملة التي يمكن أن نصل إليها أن الشفاء يحتاج إلى وقت، لكن الموضوع ربما لا يقتصر فقط على أمراض الجسد، حتى الجراح التي تحدث في حياة الدول في حياة الشعوب، تحتاج إلى وقت أطول لكي تشفى والجراح التي تصيب الدول لا تحتاج فقط إلى طبيب يعالجها بل أيضاً إلى شعب يصبر عليها حتى تأخذ وقتها، لا نتحدث هنا عن الصبر كما لو كان مجرد فضيلة يحتاجها الجميع أفراداً وشعوباً، بل نحتاج إليه على أنه دواء الكل منا يحتاجه في الأوقات الصعبة.
وفي هذه الأوقات من الملاحظ تماماً لكل منا مهما كان موقفه أو مرجعيته الفكرية أو حتى رأيه السياسي فإن هذه المنطقة مريضة وتعاني الكثير من الجراح ولا يمكن أن نتوقع أن تشفى منها خلال فترة بسيطة.
في هذه الأثناء وحتى نصل إلى المبتغى نحتاج فعلاً إلى رأي حكيم يستطيع أن يصل بهذه الشعوب إلى بر الأمان بكثير من الصبر وبكثير أيضاً من الشجاعة والحكمة، إذا كنت تحدثت عن جراح الجسد وكسور الأمم وكثير من الشعوب الآن (مكسورة) فإننا نتحدث فعلاً عن الزمن كطبيب يعالج هذه الجراح ويجبر هذه الكسور.
لا أريد أن أبدو كما لو كنت أوزع حبوب الصبر فهذه المنطقة بشكل أو بآخر معتادة على الصبر وفوق كل ذلك فإنه مع الزمن لم تلتئم الجراح بل زادت عمقاً وسوءاً وألماً، لكن ما نحتاج إليه هو الإيمان بأن هذه الأوقات الصعبة لاشك بأنها قابلة للانتهاء وأنه يمكننا أن نعتمد هنا على دروس التاريخ لتعلمنا كيف أن الأمم في أسوأ حالاتها تستطيع أن تبني حقولاً من الإرادة.
أخيراً لن نبقى في هذا الإطار، فالكثير منا لديه جروح في القلب وندوب في الروح وكسر في الخواطر وجميعها بلا استثناء بحاجة إلى تلك اللمسة السحرية من الثقة بالمستقبل والاعتماد على الزمن كطبيب وشافٍ لكل الجراح.
أقوال
– اللـه يشفي والطبيب يأخذ الأجر.
– تاريخ كل أمة خط متصل قد يصعد أو قد يهبط وقد ينحني وربما يدور حول نفسه لكنه لا ينقطع أبداً.
– الزمن الذي يقسو سيأتي زمن غيره يشفي.