قمة الأمم المتحدة للمستقبل تتجاهل دور التعليم في «ميثاق المستقبل»
| د. وائل معلا
انعقدت في مدينة نيويورك في الفترة من 22 إلى 23 أيلول 2024 «قمة الأمم المتحدة للمستقبل» وهي تجمع عالمي لقادة العالم. الغرض الأساسي من هذه القمة معالجة التحديات الملحة التي تواجه البشرية والكوكب، ورسم مسار جديد للتعاون العالمي والتنمية المستدامة.
ركّزت القمة بشكلٍ رئيسي على: تعزيز الالتزام بأهداف التنمية المستدامة وهي مجموعة من الأهداف الطموحة التي اعتمدها قادة العالم في عام 2015 لمواجهة التحديات العالمية مثل الفقر وعدم المساواة وتغير المناخ والتدهور البيئي.
معالجة التحديات العالمية الناشئة بالتركيز على قضايا مثل التكنولوجيا وتغير المناخ والتوترات الجيوسياسية.
تعزيز الأمم المتحدة بالسعي لتنشيط الأمم المتحدة ووكالاتها لجعلها أكثر فعالية واستجابة لاحتياجات العالم.
تعزيز حقبة جديدة من التعاون الدولي بتعزيز الحوار والتفاهم والتعاون بين الدول.
كانت القمة بمنزلة منصة حاسمة لزعماء العالم للالتقاء ومناقشة القضايا الأكثر إلحاحا التي تواجه البشرية. كذلك كانت فرصة لإعادة تأكيد التزامهم بأهداف التنمية المستدامة ورسم مسار جديد للمضي قدماً نحو مستقبل أكثر استدامة وإنصافاً.
وتبنى زعماء العالم خلال القمة، «ميثاق المستقبل»، الذي تضمن ميثاقاً رقمياً عالمياً وإعلاناً بشأن الأجيال القادمة.
منتقدو الميثاق
غير أن العديد من المعنيين في قضايا التعليم والتعليم العالي انتقدوا إخفاق القمة في جعل التعليم جزءاً رئيسياً من جدول أعمال الميثاق العالمي الذي وافقت عليه القمة أساساً والذي توصل فيه زعماء العالم إلى إجماع جديد حول أفضل السبل لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة أو SDGs.
وتعدُّ مجموعة أصحاب المصلحة في التعليم والأوساط الأكاديمية Education and Academia Stakeholder Group (EASG) من أبرز منتقدي الميثاق. وتتألف هذه المجموعة بشكلٍ رئيسي من المنظمات والشبكات الأكاديمية التي تعمل في مجال «الحق في التعليم». كما أن شركاءها هي من المنظمات المعنية مباشرة بحقل التعليم أمثال «الحملة العالمية للتعليم» و«المجلس الدولي لتعليم الكبار»، و«المنتدى العالمي للطلاب». من هنا تكمن أهمية الانتقادات التي وجّهتها إلى القمة.
أسِفت المجموعة في بيان أصدرته لتجاهل «ميثاق المستقبل» بنسخته الحالية الدور الأساسي للتعليم والتدريب والتوعية العامة، والذي يتلخص في التعليم من أجل التنمية المستدامة. وأكدت أن التعليم من أجل التنمية المستدامة ليس عنصراً أساسياً في التعليم الجيد فحسب، بل هو أيضاً بمنزلة أساس شامل لتحقيق جميع الأهداف العالمية للتنمية المستدامة.
وسبق أن ناشدت مجموعة (EASG) المشاركين في القمة ضرورة إعادة وضع التعليم في أعلى سلّم أولويات الخطاب العالمي مؤكدة أن التعليم هو المفتاح لمستقبل مستدام، وأنه يعود إلينا جميعاً ما جعل العالم مكاناً أفضل، وأنه لا يمكن تحقيق المهارات والمعرفة التي يتطلبها ذلك إلا من خلال التعليم الجيد للجميع، وأننا بحاجة لتمكين طلاب اليوم، من أن يصبحوا قادة الغد، وأنَّ «قمة المستقبل» التي لا تعترف بذلك لا صلة لها بالمستقبل لا من قريب ولا من بعيد.
كما أكد عدد من خبراء اليونسكو ضرورة إعادة توجيه التعليم نحو الاستدامة، وأنه على الرغم من عدم ذكر التعليم العالي صراحة في «ميثاق المستقبل»، إلا أنه يظل أساساً حاسماً لنجاح «ميثاق المستقبل».
ميثاق المستقبل
وميثاق المستقبل عبارة عن خطة عمل حكومية دولية تتناول ما يلي:
• التنمية المستدامة وتمويل التنمية.
• السلام والأمن الدوليين.
• العلوم والتكنولوجيا والابتكار والتعاون الرقمي.
• الشباب والأجيال القادمة.
• تحويل الحوكمة العالمية.
وصفت الأمم المتحدة الميثاق بأنه «فرصة لا تتاح إلا مرة واحدة في كل جيل» لترميم الثقة المتآكلة وإثبات أن التعاون الدولي يمكن أن يكون فعالاً في تحقيق الأهداف المتفق عليها، وأن يعالج التهديدات والفرص الناشئة. وأكدت أنها تشجّع «نظاماً متعدد الأطراف يعكس حقائق اليوم ويحقق النتائج للجميع وفي كل مكان.
ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة، فإن تطبيق أهداف التنمية المستدامة، في الوقت الحالي، خرج عن المسار الصحيح. وستعتمد قمة المستقبل على قمة أهداف التنمية المستدامة لعام 2023 لمحاولة تهيئة الظروف التي يمكن من خلالها تحقيق تنفيذ خطة التنمية المستدامة لعام 2030 بسهولة أكبر.
وتقوم مجموعة أصحاب المصلحة في التعليم والأوساط الأكاديمية EASG، بمراقبة ومراجعة أهداف التنمية المستدامة باعتبارها مجموعة رسمية من أصحاب المصلحة في الأمم المتحدة، وتؤكد وجوب تسخير القوة التحويلية للتعليم لتعزيز التنمية المستدامة والسلام والمساواة: «إن التعليم من أجل التنمية المستدامة، باعتباره جزءا لا يتجزأ من التعليم الجيد، يستحق الاعتراف الصريح في الإطار الشامل لميثاق المستقبل»، كما أن «التركيز المتجدد على التعليم لن يكون بمنزلة وسيلة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة فحسب، بل سيكون أيضاً بمنزلة أولوية توجيهية تؤثر على جميع موضوعات قمة المستقبل».
وترى EASG أن المشاركة النشطة للمجتمع المدني والطلاب والمدرسين وأصحاب المصلحة في مجال التعليم أصبحت ضرورة ملحّة في تشكيل المستقبل، وأن المجتمع المدني يوفر وجهات نظر ورؤى متنوعة تعكس احتياجات المجتمعات في جميع أنحاء العالم. وأن الطلاب والمعلمين، كونهم في طليعة تجربة التعليم، يمتلكون معرفة فريدة وتجارب من واقع الحياة تعتبر حاسمة في تشكيل سياسات وممارسات التنمية المستدامة.
التعليم بالكاد وارد في الميثاق
أشار الميثاق بقلق عميق إلى الفوارق القائمة بين البلدان المتقدمة والنامية من حيث الظروف والإمكانيات والقدرات لإنتاج معارف علمية وتكنولوجية جديدة وتوليد الابتكار. لكنه لم يُشِر إلى أهمية الاستثمار في التعليم العالي لمعالجة هذه المشكلة. كما لم يُشِر إلى قوة التعليم وسياسات التعليم ودورها الفاعل في إحلال السلام والأمن.
في ميثاق عالمي استغرق 66 صفحة، اقتصرت الإشارة الوحيدة للتعليم على فقرة واحدة تعترف بخجل أن توفير العمل اللائق وفرص العمل الجيدة للشباب هو أحد أكبر التحديات التي يجب معالجتها، حيث جاء في الميثاق: «نؤكد على أن الاستثمار في التعليم الشامل والمتاح والجيد، على جميع المستويات، والتدريب المهني، الرسمي وغير الرسمي، هو أهم استثمار يمكن أن تقوم به الدول لضمان التنمية الفورية والطويلة الأجل للشباب».
من الواضح أن هناك غياباً ملحوظاً لفهم الدور الرئيسي الذي يمكن أن يلعبه التعليم بشكل عام والتعليم من أجل التنمية المستدامة بشكل خاص كعامل تمكين لتحقيق جميع أهداف التنمية المستدامة، إضافة إلى الهدف الرابع SDG4 وهو «التعليم الجيد والتعلم مدى الحياة».
يرى العديد من المعنيين في التعليم العالي أن العلوم والتكنولوجيا والابتكار ضرورية لتعزيز الاتفاقية، ولكن القيم المتأصلة في التعليم العالي كتبادل المعرفة، والتعلم مدى الحياة، والتعاون، والتأثير، والإثبات، هي التي ستجعلها حية.
لدى الجامعات بالفعل شبكات قوية، «كالمجموعة العالمية للتعليم العالي والبحث العلمي من أجل التنمية المستدامة» مع الاتحاد الدولي للجامعات، والتي يمكنها تحويل هذه القيم إلى عمل. وهذه الشبكات العالمية مبنية على الثقة والأمل المشترك في مستقبل مستدام، وهي على استعداد للدخول في شراكة مع الحكومات وأصحاب المصلحة الرئيسيين الآخرين للمساعدة في تسريع التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة.
التعليم في مواجهة التحديات
لا شك في أن قمة المستقبل مثَّلت لحظة حاسمة للمجتمع الدولي للتصدي جماعياً للتحديات المعقدة التي تواجه عالمنا. ففي زمن يتسم بتحولات بيئية واجتماعية واقتصادية وسياسية عميقة، مثَّلت القمة فرصة لبناء رؤية متجددة للتعاون العالمي. و«ميثاق المستقبل»، الذي خرجت به القمة، يهدف إلى تحديد مسار العمل المتعدد الأطراف لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. لكنَّ تحقيق هذه التطلعات يتطلب وضع التعليم في أعلى سلم أولويات الخطاب العالمي. فالتعليم هو القوة الدافعة والمحرّك الرئيس للتحول المجتمعي، إذ يزود الأفراد والمجتمعات بالمعرفة والمهارات اللازمة لمواجهة التحديات العالمية المتعددة الأوجه والشديدة التعقيد، لذا كان من الضرورة بمكان أن تعترف القمة بشكل كامل بالقوة التحويلية للتعليم ضمن نتائجها وخطط عملها، وأن تعطيها الأولوية.
وسبق للجمعية العامة للأمم المتحدة أن اعترفت بالتعليم من أجل التنمية المستدامة كعامل تمكين رئيسي للأهداف العالمية للتنمية المستدامة، وركزَّت على أهميته في سلسلة من القرارات، لاسيما في سياق تحقيق الهدف 4 من أهداف التنمية المستدامة بخصوص التعليم الجيد. فالتعليم من أجل التنمية المستدامة يعزز المعرفة والمهارات والمواقف اللازمة لمواجهة التحديات العالمية مثل الفقر، وعدم المساواة، والتدهور البيئي، ويمكّن الأفراد والمجتمعات من المساهمة بفعالية في التنمية وضمان استدامتها. وفي هذا السياق، يمتد دور التعليم إلى أبعد من حدوده التقليدية؛ فهو يعزز القدرات، وينمي الفكر، ويعزز الأساليب الشاملة لمواجهة وتجاوز تحديات تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وعلى الرغم من أن العالم لم يشهد سوى تقدم متواضع نحو تحقيق هذه الأهداف بحلول عام 2030، إلا أنه يمكن للتعليم الجيد أن يسرّع التحقيق الشامل لتلك الأهداف السبعة عشر. فضمان التعليم الجيد الشامل والمنصف (الهدف 4) يزود المتعلمين من جميع الأعمار بالمعرفة والمهارات والقدرة على مواجهة التحديات العالمية المترابطة، بما في ذلك تغير المناخ، وفقدان التنوع البيولوجي، والاستخدام غير المستدام للموارد، وزيادة عدم المساواة.
ويمكن لمؤسسات التعليم العالي أن تعمل كجهات ميسرة، وذلك بأن تجمع بين مختلف أصحاب المصلحة، بالمواءمة بين التدريس والبحث العلمي والمشاركة المجتمعية لتشكيل شراكات تعاونية، خاصة وأن بناء المعرفة التشاركية ومشاركتها وتعبئتها تقع في صميم مهام التعليم العالي.