الأديب الروائي رشاد أبو شاور يلوح مودعاً … حمل الهمّ الفلسطيني وتبنى الأدب المقاوم خلال رحلته
| مصعب أيوب
غيب الموت قبل أيام الكاتب والروائي والقاص الفلسطيني رشاد أبو شاور في العاصمة الأردنية عمّان عن عمر ناهز 82 عاماً، وقد نعاه الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين واتحاد الكتاب العرب في سورية ليكون مع علامات الأدب والثقافة العربية الذين غادرونا.
سأرحل قريباً
غزة اليوم ليست ساحة حرب فقط، بل هي قبر مفتوح للعالم الذي يشيّد جداراً من الصمت على وجع شعبها… سأرحل قريباً، لكنني أحمل يقيناً بأن هذا الجدار سيتحطم ذات يوم على يد من لا يخافون الموت من أجل الحياة».
كانت هذه العبارة من أهم ما كتبه الراحل الفلسطيني رشاد أبو شاور عاكساً بذلك الرؤية السوداء فيما يخص المصير الفلسطيني الذي تنبأ به حول الإبادة الجماعية التي تعيشها، وجسّد من خلالها قلقه على مستقبل المنطقة.
تنقلات ونزوح
ولد أبو شاور في قرية ذكرين التي تتبع لمحافظة الخليل 1942 ونزح مع عائلته بعد نكبة 1948 واستقر في مخيم الدهيشة ببيت لحم حتى عام 1952 لينتقل فيما بعد إلى مخيم الغويعمة في أريحا حتى 1957، وفيما بعد إلى سورية حتى عام 1965، وفيما بعد إلى لبنان، وقد عمل في الإعلام الفلسطيني الموحد بصفة نائب رئيس التحرير في مجلة «الكاتب الفلسطيني» الصادرة عن اتحاد الكتاب الصحفيين الفلسطينيين حينها في بيروت.
انتقل أبو شاور إلى دمشق عام 1982 وبقي فيها حولي 6 سنوات ليقرر فيما بعد الانتقال إلى تونس، وعمل هناك مديراً للثقافة في منظمة التحرير الفلسطينية، وفي عام 1994 قرر البقاء في عمّان.
الالتزام والمقاومة
سطع اسمه في الرواية بعد أن تميز بأسلوبية كتابية معينة عن الضعفاء لأنه ركز على مفاصل الحياة الفلسطينية بكل تفاصيلها، فاتخذ مذهب الالتزام والأدب المقاوم في أعماله وبالطبع المتعمق فيها والمطلع عليها سيجد هذا جلياً، وقرر الراحل الاندفاع نحو التأليف والرواية بقوة ليقدم إرثاً متنوعاً ما بين القصة القصيرة والرواية والمقالة والمسرح، وقد تناول موضوعات اليافعين والكبار وانكب على الكتابة في الفكر والسياسة بعد إيمانه بتحرر فلسطين وشرعية مطالب أهلها.
أعمال مهمة
أما مجموعاته القصصية فأشهرها: ذكرى الأيام الماضية، بيت أخضر ذو سقف قرميدي، الأشجار لا تنمو على الدفاتر، مهر البراري، بيتزا من أجل ذكرى مريم، حكاية الناس والحجارة، الضحك في آخر الليل، الموت غناء.
ولا ننسى أيضاً رواياته المعروفة: أيام الحرب والموت، والبكاء على صدر الحبيب، والعشاق، والرب لم يسترح في اليوم السابع، وله كتاب: آه يا بيروت وهو يومياته في حصار بيروت.
وقد تمحورت أعماله كما أسلفنا حول الهم الفلسطيني والمقاومة، فقدم في قصصه بعض الصور للمعسكرات والتدريبات والمقاتلين والعمليات الفدائية والقصف وما يحيط بذلك، وتتجلى في مجموعته الأولى «ذكرى الأيام الماضية» تحليلات ومراجعات لما حدث في حزيران 1967 متجنباً بث الإحباط واليأس.
وفي قصته «الذي مات عند قمة الجبل» وظف الراحل في أعماله التراث العربي والإسلامي من خلال إشراك الشخصيات التي تدل على ذلك، معتبراً ذلك تعبيراً رمزياً لمعالجة الحاضر الذي يصعب على القاص محاكمته، إذ استعاد احتلال المغول للدول الإسلامية.
كتب عن دمشق ولها
ثلاثة أعوام وستة أشهر وأنا بعيد عن دمشق، وهي القريبة، النابضة مع دقات القلب، والشوق لها، والقلق عليها، واللهفة للقياها تمض الروح.
ثلاثة أعوام وستة أشهر من الفراق! هذا كثير.. كثير، وفوق الاحتمال، على من عرفها وهو فتى دون الخامسة عشرة، وعاش فيها شاباً، وكهلاً.
هي ليست الأندلس لأحلم بها، أو أتفجع على خسرانها المبين، فهي قريبة إلى حد أنني أشم رائحة ياسمينها وأنا جالس في حوش بيتي في عمان.
هي قريبة وبيني وبينها قاطعو الرؤوس، وحارقو الحقول، ومدمرو البيوت، ومهجرو الألوف من بيوتهم، وطاردوا النوم عن عيون الأطفال.
هي قريبة، حتى إنني عندما أتجه شمالاً في الأردن، أوشك أن أسمع أذان الجوقة التي تؤدي الأذان في المسجد الأموي في دمشق، بحزمة أصوات موسيقية ورعة تنشر التقى في فضاء دمشق، وهي الأصوات التي تربت أذني عليها، فأحبت الصوت الإنساني المفعم بالإيمان المتوارث على مدى مئات السنين.
فيها تربيت ونشأت منذ كنت في الرابعة عشرة وبضعة أشهر، وغادرتها وقد بلغت الثالثة والعشرين، لأعود إلى أريحا مدينة طفولتي الفلسطينية العريقة، بعد أن تفتّح قلبي على الحب، وعقلي أترع بزاد ثقافي دمشقي، وبعد أن تعرّفت إلى الطريق المؤدي إلى فلسطين، وانتظمت في صفوف من أُعدّوا لأيام آتية بالتأكيد، فجيل الشتات الفلسطيني لن ينسى وطنه.
«وداعاً يا ذكرين»
صدرت له في عام 2019 رواية بعنوان «ترويض النسر»، عن دار الشروق للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمّان، وقال إنه حملها وتنقل بها من دمشق إلى تونس إلى عمّان، وهجس بها سنوات، وعكف على كتابتها طوال العام الذي سبق نشرها.
صدرت له عن الهيئة العامة السورية للكتاب، العام الماضي، طبعة جديدة من رواية «وداعاً يا ذكرين»، وتسلّط الرواية الضوء على نكبة فلسطين وما عاناه الشعب الفلسطيني الذي خاض الانتفاضات والإضرابات والثورات من أجل التحرير، وكتب فيها عن حواكير البيوت التي أصبحت بديلاً عن الحقول التي كانت تزرع وتعذر زراعتها بسبب الحرب، وكذلك عن النساء اللواتي واجهن وقاومن، وكتب فيها عن الريف الذي ثار واستشاط للدفاع عن أرضه وتاريخه وقيمه وهويته مجسداً فيها الفطرة الإنسانية الخيّرة.
وكتب أبو شاور على غلافها: «شغلتني الرواية هذه على امتداد أعوام، بل عقود، منذ اتخذت الكتابة خياراً.. اعترتني الرغبة بكتابة عمل روائي يقدم للقارئ العربي مسببات نكبة العرب.
تكريمات وجوائز
فاز بجائزة دولة فلسطين التقديرية عن مجمل الأعمال، أرفع جائزة في فلسطين للإبداع عن عام 2019.
اعتبرت روايته «العشاق»، من بين أهم مئة رواية في العالم العربي، إضافة إلى أنه حاز جائزة «محمود سيف الدين الإيراني» المرموقة للقصة القصيرة، إضافة إلى ترجمة بعض أعماله إلى لغات أجنبية وإدراجها في أنطولوجيا الأدب الفلسطيني، وحصل أبو شاور على «جائزة القدس» لعام 2015 عن الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، «تكريماً لمسيرة تقدر بنصف قرن من الكتابة التي شملت المؤلفات الإبداعية والدراسات الأدبية».
الحوراني عاشق للياسمين الدمشقي
وتواصلت «الوطن» مع الدكتور محمد الحوراني رئيس اتحاد الكتاب العرب الذي تحدث عن الأديب رشاد أبو شاور ومنجزه الأدبي وعلاقته بدمشق.
قبل نحو شهر من اليوم وأثناء زيارتي للعاصمة الأردنية عمان كنت حريصاً مع ثلة من الزملاء رؤساء اتحادات الكتاب العرب ورئيس اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية على التواصل اليومي مع الأديب والروائي المناضل رشاد أبو شاور للاطمئنان على صحته بعد الوعكة التي أصابته، وبعد خروجه من المشفى ذهبنا جميعاً لزيارته في منزله في العاصمة الأردنية عمان، لم تفاجئنا اللوحة التي وضعها على باب بيته والتي تحدد المسافة بين بيته في العاصمة الأردنية وبين بيته في فلسطين إذ لاتتعدى المسافة 75 كيلو متراً، في تلك الزيارة أعرب الأديب الملتزم والمناضل الكبير عن السعادة الكبيرة بهذه الزيارة، وعن تغلغل الياسمين الدمشقي بخلايا جسده، كيف لا وسورية هي الحصن الأخير من حصون المقاومة العربية، وهي ملاذ المناضلين الوطنيين الذين احتضنتهم بيوتها وحاراتها الضيقة بكل الحب والوفاء والإخلاص، في تلك الجلسة أعرب رشاد أبو شاور عن رغبته الكبيرة بزيارة دمشق في القريب العاجل، والتجوال في شوارعها وأزقتها وزيارة الأصدقاء فيها مؤكداً أنها ربما تكون الزيارة الأخيرة له بعد أن أثقل المرض جبل جسده الأشم، يومها حدثنا بفخر عن حبه لهذا البلد الذي احتضنه طويلاً بجسده وثقافته وفكره، وأظهر لنا بطاقة عضويته في اتحاد الكتاب العرب، وهو واحد من أوائل المنتسبين إليه، وكان فخوراً ببقاء الاتحاد على الخط الأساسي الذي قام عليه، وعلى انحيازه المطلق لخيار المقاومة، لأنه الخيار الوحيد الكفيل باستعادة فلسطين وتحريرها، يومها حدثت الزملاء عن شجاعة أبي الطيب ومخاطرته في زياراته المتكررة إلى دمشق وغيرها من المحافظات السورية في أحلك الظروف التي تعرضت لها في أثناء الحرب الإرهابية عليها، إلا أن المثقف الأصيل والوطني الثابت على جمر الوفاء أكد للزملاء أن هذا جزء يسير من الوفاء لسورية في محنتها، فمواقفها من الأشقاء العرب ومن القضية الفلسطينية وغيرها لا مثيل لها، ومن واجبنا جميعاً أن نقدم لها الكثير، كان رحمه اللـه فخورا بكتبه التي طبعت أو ستطبع في سورية، واتفقنا يومها على تنظيم حفل توقيع لكتابه الذي سيصدر عن اتحاد الكتاب العرب قبل نهاية العام، وعلى الرغم من صلابة موقفه وثباته على ثوابت المقاومة والانتماء، إلا أن الموت كان أسرع إلى رقة قلبه ونقاء فكره من نهاية العام بعد أن عجز هذا القلب عن تحمل سماع أخبار استشهاد القادة الكبار، وخيانة قسم من أبناء القضية لقضيتهم وثوابت أمتهم.
وداعاً أيها المناضل الكبير يليق بأصالة فكرك وثبات موقفك وحبك لسورية الأصالة ودمشق الياسمين والتاريخ، وداعاً يليق بذكرين التي أنجبتك وبدمشق التي احتضنتك فأخلصت لها.