الكيان وبايدين بين خيارين مريرين
| تحسين حلبي
في النهاية تمكنت صواريخ دعم المقاومة التي أطلقها الحرس الثوري الإيراني في اليوم الأول من تشرين الأول الجاري بهدف تعزيز قدراتها، من فرض منعطف جديد، خلال ساعات، حمل معه مرحلة يمكن تسميتها بمرحلة ما بعد اغتيال أمين عام حزب الله حسن نصر الله.
هذه المرحلة سيفرض فيها جيل جديد من المقاومين في فلسطين ولبنان والمنطقة، جدول عمله في حرب الاستنزاف التي بدأت في السابع من تشرين الأول الماضي ضد الاحتلال الإسرائيلي من عدة جبهات من داخل فلسطين ومن خارجها.
يسجل تاريخ مقاومة الاحتلال ومشروعه الصهيوني منذ حرب حزيران 1967 أن الكيان وجيشه لا يتحملان حرب استنزاف طويلة بل يحاولان بكل قدراتهما العسكرية والسياسية حصر دائرتها ومنع إطالة أمدها لأنها الحرب التي تجعل الكيان ينزف منها وبما تولده من خسائر بشرية في صفوف جيشه وتدهوراً معنوياً عند المستوطنين وأزمات انقسام بين أحزاب، وتؤدي إلى هجرة عكسية للمستوطنين إلى أوطانهم التي جيء بهم منها، وإلى توقف هجرة اليهود إلى الكيان بسبب فقدان الأمن والاستقرار، وبالمقابل أثبتت حروب الاستنزاف التي شنت من جبهة مصر خلال ثلاث سنوات 1967- 1970 قدرة مدمرة ضد قوات الاحتلال على جبهة الضفة الشرقية لقناة السويس، وجعلت حكومة تل أبيب تطلب من الإدارة الأميركية عرض مبادرة بين تل أبيب والقاهرة لإيقاف حرب الاستنزاف لمدة تسعين يوماً تجري خلالها مفاوضات حول انسحاب ملزم لجيش الاحتلال من الأراضي التي احتلتها إسرائيل في سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 242، وكانت خاتمة هذه الحرب بشن مصر وسورية حرب تشرين عام 1973 التي زعزعت قوة إسرائيل وكبدتها هزيمة على جبهتين.
في عام 2000 فرضت حرب الاستنزاف التي شنتها قوى المقاومة اللبنانية الوطنية والإسلامية وفي مقدمتها حزب الله بمشاركة الجيش السوري والفصائل الفلسطينية طوال 18 عاماً بعد اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982، هزيمة أجبرت فيها الكيان على الانسحاب دون قيد أو شرط من جنوب لبنان، وهو ما جرى أيضاً في قطاع غزة في عام 2005 حين أجبرت حرب الاستنزاف التي شنتها المقاومة الفلسطينية طوال سنوات كثيرة على جيش الاحتلال الانسحاب دون قيد أو شرط، وبعد عملية «طوفان الأقصى» وما شكلته من حرب استنزاف قاسية على الكيان من جبهتي القطاع وجنوب لبنان طوال 12 شهراً، بدأت المقاومة تضع جدول عمل جديداً للمحافظة على انتصارها في القطاع وفي جنوب لبنان بعد إعادة اجتياح جيش الاحتلال لكل أراضي القطاع وتصعيد الحرب على المقاومة اللبنانية والتهديد باحتلال الجنوب، وفي حرب الاستنزاف هذه التي تقوم بشنها كل أطراف محور المقاومة بأشكال مختلفة وموحدة، وجد الكيان نفسه محاصراً من المقاومة الجارية في الضفة الغربية وقطاع غزة في جبهته الداخلية، ومن جنوب لبنان على جبهته الحدودية، ومن بقية أطراف محور المقاومة، فاستنجد بالولايات المتحدة لحمايته من الانهيار دون أن يتورع عن شن مذابح علنية لإيقاف هذه الحرب وهو يدرك أنه يدفع ثمناً باهظاً نتيجة عمليات المقاومة وصمودها، ولذلك يبدو من الواضح أن حرب الاستنزاف التي يشنها محور المقاومة بلغت الآن بعد القصف الإيراني المباشر أول من أمس، لأهداف في الكيان، منعطفاً ومفترق طرق استراتيجياً جعلها أمام خيارين: إما انتقالها إلى حرب شاملة تشارك فيها دول محور المقاومة بشكل مباشر بقواتها أمام احتمال انخراط أميركي عسكري مباشر فتقع حرب إقليمية ذات أبعاد عالمية، وإما أن تفرض الإدارة الأميركية على الكيان اتفاقية ينسحب بموجبها من القطاع ويتوقف عن العدوان على لبنان.
وما بين هذين الخيارين سيظل الكيان داخل دوامة الاستنزاف برغم عملياته الوحشية ضد المدنيين في القطاع وفي لبنان إلى أن تشعر الإدارة الأميركية أن كيانها الاستيطاني وصل إلى طريق مسدود بين هذين الخيارين التي لا تفضل فيهما في معظم الاحتمالات أن تنخرط بشكل كامل في حربه بل تفضل تقديم الدعم له في هذه الظروف للاستمرار في حربه ووظيفته المعدة منذ تأسيسه.