نتنياهو يكشف عن إيديولوجية الصهيونية الدينية من منبر الجمعية العامة للأمم المتحدة
| محمد نادر العمري
شهدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها التاسعة والسبعين يوم السبت الماضي، حدثاً لا يمكن توصيفه بالتقليدي أو الذي يصنف ضمن مستويات التصريحات الكلاسيكية، عندما صعد رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى منبر هذه الجمعية ليطلق من خلالها تصريحات تصعيدية تهديدية لدول إحدى الخريطتين اللتين رفعهما بيديه وتشمل دول ما يسمى اصطلاحاً «الشرق الأوسط»، واللافت في هذه الخريطة هي تلوين مجموعة دول هي سورية ولبنان والعراق وإيران باللون الأسود، واللافت أيضاً في ضمن هذه الخريطة أن فلسطين المحتلة لم تلون بأي لون، فماذا يعني ذلك؟ وإلى ماذا رمى نتنياهو من هذه الخريطة وهذه الألوان؟ ولاسيما أن البعض اعتبر زيارة نتنياهو لنيويورك ومغادرته الكيان في ظل حالة حرب، لم تكن سوى مناورة للقيام بجريمة اغتيال الأمين العام لحزب اللـه حسن نصر الله.
بالعودة للخريطة، القليل من الملاحظة يجعلنا أمام عدة أمور ونقاط هي مترابطة، في سرديتها الإسرائيلية أراد نتنياهو من تعميمها داخل ثاني أهم هيكلية للأمم المتحدة، رغم ما تخلل كلمته من انسحابات للبعثات الدبلوماسية ومقاطعة لدى البعض الآخر، إذ يمكن وضع هذه الملاحظة ضمن تسلسل نقاطي متكامل وفق الآتي:
– أولاً: العنوان الذي كتب بالخط العريض على هذه اللافتة أو الخريطة، والموسوم بTHE CURSE والتي تعني اللعنة، وهي تضعنا بين مسارين: إما أن هذه الدول تمثل اللعنة أو أنه يجب أن تحل عليها اللعنة وفق السردية الإسرائيلية.
– ثانياً: اللون الأسود الذي غطى الجغرافية السياسية لهذه الدول تعد ضمن ما يسمى بمحور المقاومة، وهذا اللون قد يكون الغرض منه الإيحاء بأمرين، إما أنها تحت النفوذ الإيراني وفق ما تروج له الدعاية الإسرائيلية منذ ما يقرب العقدين، أو أنها الدول التي ستكون محط أهداف وتوجه للمشاريع العدوانية الإسرائيلية القادمة.
– ثالثاً: غياب اللون الأسود عن الخريطة الفلسطينية، رغم وجود فصائل مقاومة في قطاع غزة والضفة الغربية، وهذا ما يرمى له، إلا أن ما يريده الإسرائيلي ويسعى لتنفيذه هو القضاء على هذه الفصائل وتصفية القضية الفلسطينية بالمطلق من خلال فرض السيطرة الإسرائيلية عليها، وتهجير أهاليها أو قبولهم أن يبقوا تحت الحكم الإسرائيلي كمواطنين من الدرجة الثالثة أو الرابعة، ولذلك إن لاحظنا في الخريطة الأخرى التي حملها نتنياهو، كان هناك خط أزرق يمتد من الهند والمحيط الهادئ باتجاه أوروبا مروراً ببعض دول الخليج وفلسطين، وهو ما أطلق عليه دول النعمة والخير، هذه الخريطة تعكس مسار مشروع الرئيس الأميركي جو بايدن أو ما عرف بـ«الممر الهندي- الأوروبي» الذي هدفت منه واشنطن ليس فقط احتواء مشروع «الحزام والطريق» الصيني، بل تعميم الكيان في المنطقة وجعله فاعلاً ومؤثراً في الربط بين آسيا وأوروبا، وهو ما يطلب القضاء على كل عوامل التهديد والتحدي أمام تطبيق هذا المشروع والمتمثل بوجود مقاومة فلسطينية.
هذه النقاط وما شهدناه خلال ما يقرب العام على ما سمي بعملية «السيوف الحديدية» التي جاءت رداً على عملية «طوفان الأقصى»، بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص من مجازر واغتيالات واعتداءات بكمية كبيرة من الذخيرة، تجعلنا ندرك أننا أمام خطر حقيقي، يتمثل بأن الحكومة الإسرائيلية اليمينية المتطرفة لن تقف عند هذه الحدود، وسيكون ضمن أولوياتها تحقيق عدة نقاط لا تنفصل عما ظهر في الخريطة، وفق التسلسل التالي:
– أولاً: على صعيد فلسطين المحتلة لم ينته العدوان على غزة والضفة الغربية بعد، بل ستعود هذه الحكومة لارتكاب المزيد من المجازر ولن تتوقف إلا بالسعي لإفراغ القطاع، ولعل ما طرح مؤخراً من مشروع «الجنرالات» وتبنيه من حزب الليكود الحاكم هو خير دليل على ذلك، بالتزامن مع احتمال شن عملية واسعة مجدداً في الضفة الغربية.
– ثانياً: على صعيد لبنان، هناك سيناريوهات عدة «أحلاها مر» بالنسبة للبنانيين، فإما سيعمل نتنياهو على إبقاء حالة الاستنزاف والاعتداء قائمة على الضاحية والجنوب والبقاع، في حال عدم وجود إرادة دولية وإقليمية تمنع هذا الاستنزاف الذي يعد استهداف أي قيادة جديدة للحزب أو محتملة ضمن أولويات الكيان لإحداث حالة من الإرباك والفوضى التنظيمية في إدارة المعركة وصنع القرار، أو قد يقدم على محاولة احتلال الجنوب، مهما كانت التكلفة باهظة، لفرض صيغة على لبنان لتجريد الحزب من سلاحه، وهذا ما صرح به وزير الخارجية يسرائيل كاتس بقوله: «لن نوقف الحرب على لبنان إلا بعد انسحاب الحزب لما بعد الليطاني ونزع سلاحه»، وكلا السيناريوين وغيرهما يستلزمان عدة آليات ستلجأ إليها حكومة الاحتلال عبر:
– استمرار ضخ الدعاية والإشاعة عن ضعف الحزب وتخلخل بنيانه التنظيمي وعدم وجود قيادة قادرة على ملء الفراغ الذي استحدثته عمليات اغتيال القادة.
– إحداث إحدى أكبر عملية نزوح في المنطقة على المستويين الداخلي والخارجي.
– تدمير تدريجي للبنى التحتية اللبنانية وفرض الحظر البحري والجوي والبري عليه.
– استخدام العنف المفرط في ارتكاب المجازر والإبادة وتحميل الحزب مسؤولية ذلك.
– تغذية الصراعات العرقية والطائفية.
– ثالثاً: على الصعيد السوري، لا اعتقد أن الوجود الروسي في سورية سيمنع إسرائيل من التفكير بالضغط على سورية وتعميق أزماتها المختلفة، لذلك من المحتمل أن يقوم الإسرائيلي ضمن الخريطة السورية بتبني مجموعة من المسارات والخطوات التصعيدية:
– المسار العسكري الذي يتمثل في اعتبار الحدود السورية اللبنانية هي أخطر من محور فيلادلفيا، ولابد من استهدافها بشكل دائم لمنع تدفق السلاح والمقاتلين إلى لبنان، أو قد نشهد مطالبة بنشر مراقبة دولية على تلك الحدود بالتزامن مع استهداف مراكز نقاط ومنظومات دفاعية ومجمعات صناعية عسكرية، وفي المقلب الشرقي قد نشهد تكثيفاً للعمليات الإسرائيلية الأميركية على الحدود السورية العراقية لإغلاق الطريق، لوجود مصالح جيوإستراتيجية أميركية صهيونية بما في ذلك قطع الطريق البري، فضلاً عن تصعيد التنظيمات المسلحة والانفصالية المنتشرة في شمال غرب وشرق سورية ومنطقة التنف لعملياتها، مستهدفة نقاطاً للجيش السوري، لإشغال سورية داخلياً، بالتزامن مع استمرار الاعتداءات للعبث بالأمن الداخلي السوري أو استنزاف مقدرات الجيش السوري أو لاستكمال دائرة الاغتيال للشخصيات والقيادات الفاعلة ضمن المحور.
– المسار الإنساني: يتمثل في إغداق اللبنانيين والسوريين على سورية، في ظل ما تعانيه الأخيرة من ندرة الموارد وجعلها في حالة عجز كاملة، ما يرهق المواطن السوري، وشل قدرات المؤسسات الحكومية، فضلاً عن التداعيات الأمنية الناجمة عن هذه الموجات التي قد توظف استخباراتياً.
– رابعاً: المسار العراقي هو من الأكثر المناطق الرخوة القابلة للانفجار، سواء كان ذلك لوجود قواعد أميركية داخله، أو بسبب التقسيم القائم ورغبة بعض الأقاليم بالانفصال، أو بحكم الصراعات العرقية والطائفية التي يتسم بها المشهد.
– خامساً: إيران، الهدف الأهم بالنسبة لإسرائيل، فإن كل المحاولات لإنجاح التوصل لاتفاق نووي، والحذر من عودة الرئيس الأميركي السابق للسلطة خلال الانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الولايات المتحدة الأميركية في تشرين الثاني من هذا العام، من المؤكد أنها باءت بالفشل، إذ سينشّط الكيان من عمله الاستخباراتي والتحريضي داخل إيران، وهذه النقطة تتوافر لها الأرضية نتيجة اعتبارات عدة، كان أبرزها حالة التململ من تأخر إيران من تنفيذ ردها على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية على أراضيها، قبل أن تقوم بالرد ليلة الثلاثاء الماضي على اغتيال الشهداء هنية ونصر اللـه والقائد في الحرس الثوري نيلفروشان، والوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي داخلياً، إلى جانب احتمال قيام إسرائيل بشن حروب سيبرانية وربما عمليات عدوانية ضد المفاعلات النووية الإيرانية.
– سادساً: اليمن وإن لم يظهر على الخريطة، فهو ضمن دائرة الاستهداف الإسرائيلي المباشر.
إن إطلاق ما يقرب من 200 صاروخ فرط صوتي وبالستي إيراني، والذي يعد أكبر إطلاق صاروخي بتاريخ الكيان، أكد إمكانات المحور، إلا أن ذلك لا يعني وضع حد مطلق لطموحات الصهيونية المتدينة والتي لن تتنازل عن مشروعها الإيديولوجي، وقد تذهب نحو تفجير المنطقة بما في ذلك استهداف المنشآت النووية الإيرانية.
كاتب سوري