دين القوة
| حسن م. يوسف
أعتقد أن عقائد وقناعات كل كائن تشبهه، ومن يتأمل في التاريخ يجد أن اليهود قد كوَّنوا إلههم على صورتهم ومثالهم، وجعلوه يبيح لهم ممارسة مختلف أشكال العنف ضد الآخر، لا كحق وحسب، بل كأمر إلهي مقدس. وهذا يتبدى بجلاء في أسفار اليهود، خاصة الخمسة الأولى منها التي تدعوهم مباشرة لممارسة الإبادة بحق الـ(الأغيار)- الـ(غوييم). والـ(غوييم) كلمة عبرية معناها الحشرات التي تزحف في جموع كبيرة، وقد أطلقها العنصريون اليهود منذ القدم على بقية البشر. وبمرور الوقت ركزوا في هذه الكلمة كل عنصريتهم إذ باتت (غوييم) تعني الآن «المنحطون السفلة الموغلون في القذارة المادية والروحية والفكرية».
وقد بنى الصهاينة منظومتهم الفكرية على أساس أساطير اليهود القديمة، خاصة «أرض الميعاد». و«شعب اللـه المختار». وهم ليسوا وحدهم الذين تلقوا مثل هذا الوعد المقدس، فالنصوص القديمة في هذه المنطقة تكشف أن جميع الشعوب تلقت وعوداً شبيهة مـن آلهتـها، تسمح لها بسكن الأرض، بدءاً من بلاد النهرين إلى مصر مروراً بالحثيين. ففي مـصر وعلـى مـسلّة الكرنك التي أقامها تحوتمس الثالث بين (1480 – 1475 ق. م) نجد وعداً على لسان الإله: «إني أمنحك بقرار، هـذه الأرض، بالطول والعرض. إني جئت وأعطيت الحق في سحق أراضي الغرب». غير أن اليهود وحدهم يعتبرون وعدهم الأسطوري بمنزلة صك ملكية شرعي صادر عن دائرة المصالح العقارية السماوية!
وقد غالى الصهاينة في استثمار الأساطير المقدسة التي ورثوها عن قدماء اليهود حتى باتوا يظنون أنهم خلقوا من عنصر الله: «أنا قلت إنكم آلهة، وبنو العلي كلكم». (مزمور 82). وهم لم يغالوا في تقديس أنفسهم وحسب، بل غالوا في تحقير بقية شعوب العالم، إذ وصفوها بأنها مخلوقات حيوانية لا قيمة لها! وهذا ما تجلى في كلام وزير الحرب الصهيوني غالانت في بداية الحرب الإجرامية على غزة: «نحارب حيوانات بشرية.. لا كهرباء ولا طعام إلى قطاع غزة».
صحيح أن البشر كائنات عنيفة، والتاريخ يشهد بوضوح على ذلك، غير أنه، بحدود معلوماتي، لا يوجد في تاريخ الأديان عبارة تدعو لإبادة (الآخرين) بوحشية، كما جاء في «سفر التثنية» حيث جاء بالحرف: «فَضَرْباً تَضرب سكّان تلك المدينة بحدّ السيف/ وتحرّمها بكلّ ما فيها مع بهائمها بحدّ السيف/ تجمع كلّ أمتعتها إلى وسط ساحتها/ وبالنار تحرق المدينة وكلّ أمتعتها كاملة للربّ إلهك/ فتكون خرابا إلى الأبد لا تُبنى بعد».
والأمر الشنيع الذي لا يريد الإنبطاحيون العرب فهمه هو أن الصهاينة يقدسون هذه الممارسات الوحشية ويصورونها على أنها بطولات يجب استعادتها! لذا يلقنونها لأطفالهم كوقائع لا كأساطير، وقد شاهدت قبل كتابة هذه الكلمات بقليل فيديو لأب صهيوني يقرأ قصة لطفله يزعم فيها أن لبنان لهم، تكريساً لما جاء في سفر (التثنية 23/11): «ويهوه يطـرد جميع الشعوب من أمامكم، فترثون شعوباً أكبر وأعظم منكم. كل مكان تدوسه بطون أقدامكم يكـون لكم، من البرية ولبنان، ومن نهر الفرات إلى البحر الغربي يكون تخمكم». ولهذا لا يعترف الكيان السرطان بوجود حدود نهائية له!
تمر اليوم الذكرى الحادية والخمسون لحرب تشرين التحريرية، التي داس فيها الجندي العربي على رأس الأفعى الصهيونية. من المعروف أنه بعد حرب تشرين اتخذت الأمم المتحدة قراراً في عام 1975 باعتبار الصهيونية «صورة من صور التمييز العنصري». لكن اختراق الصهاينة للجسد العربي وتخاذل الحكام جعلا الأمم المتحدة تلغي ذلك القرار في عام 1991.
يثبت هذا لمن لديه عقل أن المقاومة هي السبيل الوحيد لاسترداد الحقوق، وأننا نعيش في عالم لا دين له سوى القوة والغلبة.