الحرب والمقولات المغالطة
| د. مازن جبور
الحرب الدائرة اليوم على أرض الواقع، تتزامن معها حرب أوسع وأكبر في الفضاء الرقمي، سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو عبر شاشات التلفزة أو الإذاعات أو في المواقع الالكترونية والصحف والمجلات، والحربان تسيران بوتيرة متصاعدة وفق معادلة تناسب طردي، أي كل ما اشتد وامتد الصراع العسكري المباشر كل ما اشتدت وامتدت الحرب الإعلامية والنفسية.
يمثل التصدي للحرب الإعلامية الدائرة من قبل إسرائيل وداعميها وأدواتهم الإعلامية، إحدى كبرى المهمات التي تقع على عاتق الجميع، وخصوصاً أن كل منا يشكل جزءاً من هذا الفضاء الرقمي ويستقبل ويرسل الرسائل ويتفاعل معها، أو على الأقل يتأثر بها، وهنا تحل الكارثة إذا ما تحولنا باللاوعي إلى قطيع متأثر، قابل للتطويع مع مقولات مدسوسة لها سرديات مغالطة، هدفها إلحاق الدمار النفسي بالجمهور المتلقي.
برزت منذ بداية الحرب الإقليمية الدائرة، مجموعة من السرديات التي حاول العدو بثها لتحويلها إلى مقولات مفكّر بها، ومن ثم تدعيمها بسرديات تشكيكية تبنى عليها سيناريوهات تشاؤمية تصيب الجمهور المتأثر بها بمقتل نفسي، ولعل أبرز تلك المقولات: «الحرب الإقليمية» و«إيران باعت حزب الله» و«سورية تخلت عن المقاومة» و«المقاومة انهارت باستشهاد قادتها»، ولا بد أن هناك الكثير من المقولات التي يسعى الكيان الصهيوني وداعميه لتثبيتها في اللاوعي وتقدم لها سرديات تمهيداً لتحويلها إلى سيناريوهات قابلة للتحقق، لكن سنتوقف بشكل رئيس عند المقولات الأساسية السابقة.
«الحرب الإقليمية»: لا يمكن وصف ما يجري منذ عام حتى اليوم إلا بحرب إقليمية أطرافها بشكل مباشر أو غير مباشر قوى الإقليم جميعها، إذ إنه حتى الآن تأثر بالضربات العسكرية المباشرة كل دول الإقليم من فلسطين المحتلة إلى سورية ولبنان وإيران والعراق وحتى الأردن، إضافة إلى تدخل مباشر من كل القوى الدولية ذات الوجود العسكري المباشر في الإقليم من الولايات المتحدة الأميركية إلى روسيا وفرنسا وبريطانيا وغيرها، ومن ثم لا يمكن وصف ما يجري إلا بأنه رحى حرب إقليمية دائرة لم تصل ذروتها بعد، وبالتالي هذه المقولة ستلحق بسرديات حول تدمير المنطقة ومن ثم بناء سناريو «انتصار إسرائيل».
«إيران باعت حزب الله»: عبارة تم دسها في وقت كانت قلوب جمهور المقاومة مدماة على استشهاد أمين عام حزب الله حسن نصرالله، في محاولة لنشرها عبر ترديدها ولو بأي شكل على لسان جمهور محور المقاومة، ومن ثم تحويلها إلى سردية من سرديات الخيانة في سوق المفاوضات الدولية على ملفي رفع العقوبات والملف النووي الإيراني، ومن ثم بناء سيناريو تشاؤمي قادر على التأثير في وحدة المحور في مواجهة أعدائه، إلا أن الرد الإيراني على اعتداءات كيان الاحتلال، كان كفيلاً بتوجيه ضربة قاضية لهذه السردية الهدامة، وبالعكس استعادة المقولة الأساسية للمحور منذ بدء الحرب على سورية وهي «وحدة الساحات» والدفع بها إلى واجهة الفعل المقاوم.
«سورية تخلت عن المقاومة»: مقولة جرى بناؤها منذ بداية الحرب على غزة، وكان الهدف منها بناء سردية حول تفكك المحور، ورسم صورة عن مصير الدول العربية التي لا تقوم بالتطبيع مع كيان الاحتلال، على اعتبار أن التخلي عن المقاومة سببه الانهيار الذي تعرضت له سورية من جراء الحرب الإرهابية عليها، إلا أن واقع الفعل العسكري في هذه الحرب الإقليمية، كان بمنزلة مطرقة تحطم كل يوم تلك السردية، سواء من خلال نوعية الأسلحة المستخدمة في المعارك الدائرة، أو من خلال حجم وعدد الاستهدافات لقادة عسكريين من دول وقوى المحور على الأرض السورية طوال حرب غزة، والتي تصاعدت اليوم مع توسع رقعة الحرب، وهو ما يؤكد حضور سورية في كل تفصيل من تفاصيل هذه الحرب الإقليمية، ولكن بأدوار ومهام مختلفة.
«المقاومة انهارت باستشهاد قادتها»: أكثر مقولة كان هدفها إلحاق الدمار النفسي بمقاتلي المقاومة وبجمهورها، لتثبت المقاومة أنها في الجوهر فعل «تحرير وتنوير»، وفي العمل مؤسسة عسكرية وسياسية واجتماعية واقتصادية وإعلامية ووو… ، قائمة على أساس التكامل في الأدوار والمقدرة على التلاؤم والتكيف مع التطورات، وهو ما أثبته الميدان في غزة وفي لبنان، إذ إنها لم تتأثر باستشهاد قادتها، بل حافظت على دورها الوظيفي المتكامل مع بنيتها الفكرية والمنسجم معها، ولولا هذا التكامل والانسجام لما كانت لتستطيع القيام بالفعل المقاوم مثلما يشهد لها الميدان طول السنة الفائتة وما زالت مستمرة، ومن ثم لا خوف على المقاومة لا جوهراً ولا وظيفة.
باختصار يستند شكل وطبيعة الصراع بين محور المقاومة والعدو الصهيوني، بشكل أساسي إلى الغرائز الطبيعية للإنسان، وفي مقدمتها الحاجة إلى الأمن وإثبات الوجود، وهذان الدافعان كانا وما زالا السبب الرئيسي للحرب التي ستستمر بوضعها الراهن بين اللاتوازن واللاتعيين، إلى أن تصل إلى تسوية، قد لا تكون عادلة لكنها ذات مقبولية.
كاتب سوري