«التعاون على محاربة الإرهاب».. لأجل ممارسة نوع أعتى منه
| عبد المنعم علي عيسى
قد يكون العنوان العريض الذي خيضت على أساسه كل الصراعات، منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي حتى الآن، هو «الحرب على الإرهاب»، وتاريخ البداية إذ يستحضر انهيار نظام القطبية الثنائية التي سادت العالم ما بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفييتي، يظهر إلى حد بعيد حالة احتياج للولايات المتحدة، المنفردة بالسيطرة العالمية، إلى أدوات تستطيع من خلالها الإطباق على التوترات، التي تظهر هنا وهناك، تمتيناً لقبضتها التي راحت تتراخى على وقع العديد من الصراعات، واللافت هو أن تلك الحرب تخاض من دون أن يكون لها تعريف، فلا مجلس الأمن ولا الجمعية العامة للأمم المتحدة يحتوي أرشيفهما على أمر من هذا النوع، وللأمر دلالاته التي تصير عند أن تحدد كل قوة من القوى مفهومها للإرهاب، أو تضع «س» من الأشخاص أو من الأحزاب والحركات على لوائح إرهابها الخاصة بها، ومن ثم تخوض صراعها مع هؤلاء تحت راية الحرب عليهم بوصفها أنها تحارب الإرهاب، ولربما يضيف البعض بأنه يفعل ذلك بالنيابة عن العالم بأسره.
قد تكون السرديات الخاصة بالحروب المصنفة ضد الإرهاب معروفة الأسباب والغايات، فهي لا تعدو أن تكون إما محاولة لكسر إرادة شعب ما قرر الوقوف بصلابة في الخندق المضاد للمشاريع التي يجري رسمها للمنطقة التي يعيش فيها، أو تكون محاولة لإيجاد، أو تعديل، نظام إقليمي قائم بدا بالنسبة لهؤلاء «قديماً» ومن الواجب تحديثه انطلاقاً من التغيير الحاصل على معايير القوة، وفي بعض الأحيان، وتلك حالة استباقية نادرة، قد يندرج الفعل كله في سياق السعي نحو تحقيق اختراقات في بنيان أثبتت صلابته على مدار المنازلات السابقة أنه عصي على الاختراق.
نشرت جريدة «الأخبار» اللبنانية يوم الجمعة 4 تشرين الأول الجاري مقالاً على درجة عالية من الأهمية، وهو يندرج في سياق الحالة الثالثة السابقة الذكر، ولربما يعطي تفسيراً لذلك التساؤل الذي بدا محيراً للكثيرين: لماذا لم تستطع إسرائيل تحقيق أي نوع من الاختراق لحزب اللـه خلال حرب تموز 2006، في الوقت الذي استطاعت فيه القيام بذلك خلال آب وأيلول المنصرمين؟
المقال للكاتب عمر نشابة، وهو يذهب فيه نحو وضع إجابة محددة عن هذا السؤال الأخير من دون أن يقوم بطرحه بشكل مباشر، ليقدم من خلاله «فرضية» تبدو متكاملة الشروط والمعطيات حتى ترقى لأن تكون جواباً عن ذلك السؤال الكبير، والفرضية ترقى أيضاً لأن تكون «إخباراً» مقدماً تلقائياً إلى كل الجهات الأمنية، وبكل البلدان، التي طاولتها تلك الفرضية.
يقول نشابة إن محكمة لاهاي التي أنشأت للتحقيق في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في حزيران من عام 2005 كانت فرصة لا تعوض لتحقيق اختراقات استخباراتية وازنة لمن يريد الاستثمار فيها، فهي حدثت في ظل زلزال كبير اجتاح المنطقة إثر حادثة الاغتيال، كان من الصعب معه التدقيق في الخطوات والمواقف التي سيتم بها التعامل مع ملف بهذا الحجم، والذي كان لا بد للكثيرين الاستثمار فيه، فالحكومة اللبنانية لم تكن بحال يسمح لها، ولربما لم تكن تملك الخيار، في التدقيق بالخلفيات التي جاء منها المحققون الدوليون بدءاً من فيتز جيرالد ومروراً بديتلف ميلس ووصولاً إلى كل من عمل معهم في مهمتهم تلك، ويشير المقال إلى أن التحقيق كان قد شهد عام 2008 نقطة تحول مفصلية الأمر الذي رصدته مجلة «دير شبيغل» الألمانية التي أشارت في تقرير لها، منتصف هذا العام الأخير، إلى أن الاشتباه الآن هو «بضلوع أفراد تابعين لحزب اللـه في جريمة الاغتيال»، ويتابع المقال: و«عليه فقد جرى التركيز على جمع معلومات تتعلق بقيادات الحزب وكوادره ومناصريه»، وهذا من حيث النتيجة أتاح وضع اليد على كنوز استخباراتية كان من الصعب الحصول عليها لو كانت الحكومة اللبنانية مدركة جيداً لخطورة ذلك «الوضع» الذي قاد في النهاية إلى انكشاف «داتا» لبنان برمتها.
المشكلة هي أن كل ذلك جرى بموجب القانون المتعارف عليه باسم «التعاون من أجل مكافحة الإرهاب»، لأن جريمة اغتيال الحريري صنفت إرهابية وليست سياسية، وإذا ما كان ذلك فعلاً «مقبولاً» وفقاً لمفاهيم «المجتمع الدولي»، الذي لا يعني هنا سوى إرادة ومصالح الغرب وفق «المايسترو» الأميركي، فكيف يستوي الأمر إذا ما ثبت أنه استخدم للإطباق على بلد بكامله، بدءاً من سجلات دوائر النفوس ومروراً بنشاطه الاقتصادي وملفات حركة المصارف ثم وصولاً إلى أنظمة التحديد الجغرافي «جي بي إس»؟ ثم كيف يستوي الأمر إذا ما ثبت أن «التعاون من أجل مكافحة الإرهاب»، وما نتج عنه، قد استخدم لممارسة إرهاب يفوق، وبما لا يقاس، بذاك الذي قيل إن «المحكمة الدولية» تعمل على معاقبته، الفرق الوحيد بين الاثنين هو المقاربة الغربية لكليهما، وإذا ما كان الأمر غير ذلك فلماذا لا تسعى الولايات المتحدة للدعوة، على الأقل، لمؤتمر دولي يكون هدفه الأول هو تعريف الإرهاب؟
كاتب سوري