من دفتر الوطن

بعيداً عن السياسة!

| عصام داري

معذرة، فقد قررت اليوم الابتعاد قليلاً أو كثيراً عن السياسة التي أخذت من عمري خمسة عقود كاملة، ابتعادي ربما غير مبرر في هذه الظروف المعقدة والخطيرة التي تمر فيها المنطقة والعالم، وربما لأنها كذلك قررت الابتعاد عن السياسة قليلاً.

أريد أن أتحدث اليوم عن الفن والأدب والغناء، فهل يعقل أن أنقلب بين يوم وليلة من كاتب سياسي ومعلق ومتابع سياسي له خبرة كل تلك السنوات، إلى كاتب يهتم بالثقافة والفنون؟

في لقاء أجرته معي منذ سنوات قليلة، الصديقة الإعلامية الكبيرة هيام حموي على الهواء مباشرة طرحت علي السؤال: هل تجد الوقت للفن والغناء؟ وهل ينسجم العمل السياسي مع الفن؟

كان سؤالاً تحريضياً في مقابلة مدتها ساعة تدور عن الفنانة الكبيرة فيروز، وقد جاريتها في التحريض، ومرت الستون دقيقة بسرعة، بل ممتعة، حينها تلقيت الكثير من الرسائل والاتصالات من أشخاص بعضهم لم أسمع صوته من سنوات طويلة، وقد تأكدت حينها أن المقابلة كانت ناجحة، أو مقبولة على أقل تقدير.

اليوم أردت فقط أن أسجل رؤيتي لقضية التوفيق بين متناقضين أو أكثر؟ وهل على من يعمل في السياسة ألا يقترف ترف الفن والثقافة؟

هذا المفهوم غلط كبير، فالإنسان مشاعر وأحاسيس مختلفة ومتناقضة في أحيان كثيرة: يحب، يعشق، قوي حيناً، ضعيف في أحايين، حالم اليوم، واقعي غداً، وله مزاجه الخاص الذي قد لا يفهمه سواه، لكنه في كل الأحوال يحب الموسيقا والغناء والشعر والنثر والزجل، وغيرها.

وأنا بكل صراحة، صرت أميل قي الآونة الأخيرة إلى الفن والثقافة بكل أنواعها هرباً من السياسة والتحليلات السياسية، وقد ظهرت على شاشات وتحدثت في إذاعات عن الفنون، وخاصة عن فيروز والرحابنة والشام.

اليوم يحق لي أن أختار من جعبتي معلومة قد يعرفها الكثيرون، لكن هناك من يجهلها، وتتعلق بفيروز تحديداً.

فقد أخذت فيروز ألحاناً من العديد من الملحنين اللبنانيين، في مقدمتهم بالطبع الأخوان الرحباني (عاصي ومنصور) ومن زياد وإلياس، وفيلمون وهبي، ولم تأخذ ألحانا لملحنين غير لبنانيين إلا من الملحن الموسيقار محمد عبد الوهاب الذي لحن لها أغنية وقصيدتين، والموسيقار السوري محمد محسن(محمد الناشف اسمه الحقيقي).

فقد لحن عبد الوهاب لفيروز«مرّ بي» شعر سعيد عقل، و«سكن الليل» شعر جبران خليل جبران، وأغنية «سهار بعد سهار» للرحابنة ومن يضف أغنيتي عبد الوهاب «ياجارة الوادي» و«خايف أقول اللي بقلبي» إلى القائمة يكن مخطئاً لأن فيروز غنتهما بإذن من عبد الوهاب صاحبهما الرسمي، أما الموسيقار السوري محمد محسن فقد لحن لفيروز خمس أغنيات هي: سيد الهوى قمري، لو تعلمين، جاءت معذبتي، ولي فؤاد، وأحب من الأسماء ما شابه اسمها.

هل كانت زاويتي معقولة أم إن هروبي من السياسة والحروب والدمار الذي يحيط بنا كان خطيئة كبرى؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن