الفساد آفة أميركية- إسرائيلية
| السفير أنور عبد الهادي
كلما ازداد التوتر في علاقة منظمة التحرير الفلسطينية مع الإدارات الأميركية المتعاقبة، ورفضها إملاءاتها والتدخل في شؤونها، يتحول الحديث عن السلطة وإصلاحها إلى أداة ضغط لتطويعها ضمن رؤى أميركية مستهلكة ساعية في المقام الأول لإبقاء مقومات دولة الكيان الإسرائيلي نابضة في المنطقة، وتغطية جرائمها في فلسطين ولبنان.
تهم معلّبة وجاهزة حول فساد السلطة، وعدم إجراء انتخابات منذ العام 2006، يقذف بها الأميركيون في وسائل الإعلام لابتزاز منظمة التحرير الفلسطينية ودفعها لقبول حلول مجتزأة مجارية للاحتلال وصفقة القرن، والسكوت عن الاحتلال في المحافل الدولية، واتهامها بالإرهاب الدبلوماسي.
إن موازنة السلطة معروفة ومدققة عالمياً وأوروبياً وموجودة على صفحة وزارة المالية الفلسطينية، ودخلها ومصاريفها والمساعدات التي حصلت عليها، والمتوقفة الآن، موجودة على الإنترنت ويستطيع أي أحد أن يراها.
وفي المقابل، فها هو رأس الحكومة الإسرائيلية المجرم بنيامين نتنياهو، متهم بقضايا فساد ورشوة وتلقي عمولات وهدايا غير مشروعة، ولا يقف الفساد داخل الاحتلال عند هذا الحد، فمن المعروف أن جنرالات جيشه هم الأكثر تلقياً للعمولات والرشاوى في عمليات شراء وبيع الأسلحة.
وبالنظر داخل الولايات المتحدة، يتضح أنها غارقة في ملفات الفساد التي تنخر مؤسسات الحكم، فهانتر ابن الرئيس الأميركي جو بايدن يواجه مزاعم بالفساد واستغلال نفوذ والده، والرئيس السابق وربما القادم، دونالد ترامب، يواجه المحكمة تحت تهم عديدة تندرج تحت بند الفساد المالي والأخلاقي، بل أكثر من ذلك، الولايات المتحدة متهمة بخلق أنظمة حكم قائمة على الفساد؛ كأفغانستان وأوكرانيا وغيرها من الدول، وتهم الفساد وحقوق الإنسان والحرية أسلحة الولايات المتحدة لترويض الدول التي ترفض سياستها، أما الدول التي تسير في فلكها فتسكت عنها حتى لو مارست كل هذه التهم.
وبالنسبة لملف الانتخابات الفلسطينية لا تقل أهمية في جدلية إصلاح السلطة، فنداءات الرئيس الفلسطيني محمود عباس لم تتوقف لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية منذ انقلاب حركة حماس عام 2007 في مناطق السلطة الفلسطينية، الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وهي نداءات لم تلقَ صدى في المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة، التي لم تضغط على كيان الاحتلال لحل العقدة السياسية والسماح بإجرائها في القدس الشرقية؛ وإجرائها بالقدس كما جرت في العام 2006 وإجرائها الآن من دون القدس يعني الاعتراف بأن القدس عاصمة لإسرائيل، ولكن عندما كانت هناك مصلحة ورغبة أميركية بإجراء انتخابات لكي تشارك فيها حركة حماس وتضرب التمثيل الفلسطيني بإيجاد بدائل لمنظمة التحرير الفلسطينية، تم السماح بها.
ليسَت مطالب إصلاح السلطة الفلسطينية من قبل الجانب الأميركي، سياسية، كما يُروّج لها في وسائل الإعلام، بل هي مطالب أمنية بحتة لتحويل السلطة إلى جهاز أمني تابع للاحتلال، وهو ما يرفضه الفلسطينيون، فهم قادرون على حكم أنفسهم بأنفسهم دون وصاية، وتقوم المنظمة والسلطة بإصلاحات حسب مصالح الشعب الفلسطيني وليس تنفيذاً لإملاءات أحد.
ورغم كل الضغوطات والاتهامات للرئيس محمود عباس من إسرائيل بممارسته الإرهاب الدبلوماسي، يزداد شراسة في مواجهة المخططات الأميركية- الإسرائيلية، وها هي صحيفة «معاريف» الإسرائيلية تصف الرئيس عباس بأنه رجل صعب للغاية وعنيد ويشكل خطراً وإرهاباً دبلوماسياً على دولة إسرائيل ويهدد علاقتها بشكل مباشر مع الدول الصديقة لها من خلال إرهابه الدبلوماسي المنظم.
لذلك تقوم إسرائيل بهجمة وقحة ضد الرئيس عباس وللأسف يساعدها فيها قناة تدعي المهنية ولكنها قناة فتنة تخدم إسرائيل سواءً كان عن حسن نية أو سوء نية.
مدير عام دائرة العلاقات العربية لمنظمة التحرير الفلسطينية