ثقافة وفن

حكايات عالمية… أوسكار… غريندايزر أعمال لن تتكرر … لماذا يتم اختيار الممثلين السوريين للدبلجة في برامج الأطفال؟

| سوسن صيداوي

تعود ذكريات الرسوم المتحركة المدبلجة إلى ما قبل التسعينيات، وصحيح أنها كانت أعمالاً مدبلجة في الخليج والأردن، إلا أنها تميزت بمشاركات سورية قوية، حيث شاركت الفنانة مها المصري في عدد من المسلسلات التي أنتجتها مؤسسة الإنتاج الخليجي مثل « فلونة والحوت الأبيض وجورجي «إضافة إلى مسلسل «حكايات عالمية» الذي شارك فيه أيضاً الفنان توفيق العشى، كما شاركت الفنانة فيلدا سمور في مسلسل «ليدي ليدي»، ولكن بعد اقتحام القطاع الخاص في سورية مجال الإنتاج في أوائل التسعينيات، انتزع أعمال الدبلجة الكرتونية من القطاع الحكومي بعد أن كان هذا المجال محصوراً في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون.

منذ البداية البصمة السورية قوية
مع تغير الزمن واحتوائه للكثير من التطورات المهيئة للظهور، إضافة إلى تعثر الإنتاج الأردني في مطلع التسعينيات وإصدار قوانين سورية جديدة مشجعة للشركات الخاصة على اقتحام الساحة الفنية، أعلنت هنا ولادة التجربة المدبلجة للرسوم المتحركة، منطلقة عبر الأصوات السورية مشكلة بصمة قوية من مسلسلات تعتبر الأروع والأفضل إذا ما اعتبرناها بدايات، حيث أسّس منّاع حجازي شركة «الزهرة للإنتاج الفني» التي قامت بدبلجة أعمال كرتونية ومن أشهرها: كابتن ماجد، ماوكلي، سلاحف النينجا، لحن الحياة… وغيرها الكثير، لاحقاً وبعد زمن ليس ببعيد ظهرت شركات أخرى للدبلجة منها استديوهات تنوير، وشركة NIS نبيل دقاق…

البداية بجودة الأداء
لطالما كان ومازال هناك اعتقاد أن الدوبلاج سواء كان للمسلسلات أم للأفلام السينمائية، هو مجرد عملية ترجمة فقط للعمل من لغته الأصلية إلى لغة أخرى، ولكن في الحقيقة الدوبلاج هو مصطلح مشتق من كلمة أجنبية تعني إضافة الصوت البشري للمشهد فهو فن تمثيلي، وعملية الدوبلاج تبدأ من تطابق حركة الشفاه مع النص، إضافة إلى وضوح مخارج الحروف، مع إضفاء الحس العام للمشهد الذي يعبر عن الموقف المرتبط بالأحداث
نائب رئيس مجلس الإدارة باستديوهات الترجمة والدوبلاج – تنوير عمر كعدي: «عمل دوبلاج الرسوم المتحركة عمل دقيق جدا بكل مراحله التي تبدأ من الترجمة الحرفية للمسلسل ومن ثم الإعداد الذي يكون بتحويل النص كي يصبح متطابقاً في الزمن مع الصورة وحركة الشفاه في المسلسل، بعدها يتم اختيار أصوات الممثلين المناسبة للشخصيات، ليكون بعدها التسجيل في الاستديوهات ثم المكساج وفي النهاية المونتاج، هذه المراحل تتطلب الكثير من الوقت والجهد والتي تختلف بالطبع بحسب طول العمل ومدة حلقاته».

حساسية عالية ومعايير خاصة
شركات الإنتاج أو المحطات أو العملاء هم الذين يحددون المعايير التي تعكس توجهاتهم على الرغم من حساسية الأعمال الكرتونية المراد دبلجتها، مدير شركة NIS للدوبلاج نبيل دقاق «المعايير في دوبلاج الكرتون متفاوتة ومختلفة لأنها تعكس إيديولوجيا شركات الإنتاج أو العملاء وحتى المحطات الفضائية التي تتوجه فيها للأطفال، فمثلا هناك من توجهاتهم ترفيهية في حين أن آخرين علمية أو دينية، فالمعيار يخصغ لإيديولوجيا من يختار الأعمال، ونحن كشركات دوبلاج سورية نكون فقط المنفذ ولكن ضمن ضوابط تتماشى مع أهداف شركتنا».

مشاكل وضعت على الهامش
الأعمال الكرتونية المدبلجة ذات حساسية عالية، فهدفها بالمرتبة الأولى تطوير فكر الطفل وتوعيته حتى لو تم الطرح بطريقة ترفيهية، نبيل دقاق مدير شركة NIS للدوبلاج « دوبلاج الأعمال الكرتونية يتطلب جهداً مضاعفاً عن الأعمال الوثائقية أو أعمال الدراما بسبب حساسية ودقة الكلمات الموجهة للطفل، مع أهمية اختيار كلمات بسيطة مفهومة بعيدة عن التعقيد».
السرعة في تنفيذ العمل الكرتوني المدبلج ضمن جدول زمني محدد من المشاكل التي تواجه التنفيذ في متابعة العمل، عمر كعدي نائب رئيس مجلس الإدارة باستديوهات الترجمة والدوبلاج – تنوير «العامل البشري هو من المشاكل التي تواجه سلسلة التنفيذ، فارتباطات الممثلين بأعمال أخرى أو تعرضهم لوعكات صحية هي من أهم ما يواجهنا بالتنفيذ، أما ما تبقى من مشاكل تقنية وغيرها فهي عادية جداً».

بين قصة المسلسل وثقافة الطفل
مشهود للفنان السوري بإيجاده اللغة العربية الفصحى، ومشهود له بمخارج حروف واضحة، الأمر الذي جعل الشركات السورية المنفذة بالمراتب الأولى عربيا، ولكن بين ما هو مطلوب وما هو مرغوب فيه بالآونة الأخيرة في سوق دوبلاج الكرتون أصبح هناك حالة من الضياع والترهل في اللغة العربية الفصحى كان المسبب لها الشركات العربية التي سعت إلى الدوبلاج باللغة المحكية بهدف أن تكون أقرب للطفل. السيد نبيل دقاق «هناك تراجع كبير باستخدام اللغة العربية الفصحى وهناك تراجع بالاهتمام وخاصة على الشاشات، فالطفل غير متعايش مع اللغة الفصحى مقارنة بالأجيال السابقة، الأمر الذي يتطلب من الشركات المنفذة اختيار لغة عربية مبسطة يقدر الطفل على استيعابها، إضافة إلى الثقافة… فنحن نعمل على منتج أجنبي ثقافته غريبة عن الثقافة العربية، وبالتالي هناك جهد على الشركة بأن تجد البديل المناسب سواء على صعيد الفكرة أو على صعيد التمثيل، كما يمكن أن تقوم الشركة بتعديل الفكرة وإذا اقتضى الأمر يكون هناك مونتاج للصورة وأغلب الشركات قادرة على القيام بهذا الأمر بنجاح من دون أن يلاحظ الطفل الخلل الحاصل، ولكن هذا متعب فإيجاد البديل والمحافظة عليه في سياق العمل هو الأصعب».

غربة الثقافة في المسلسل الكرتوني
هناك توجهات لشركات أو محطات تتطلب القيام بتغيير وتعديل في قصة المسلسل الكرتوني المدبلج كي يتماشى مع ثقافة معينة تسعى إليها.
السيد نبيل دقاق «في الوقت الحالي أنا لست مع تعديل الأعمال المراد دبلجتها فنحن الآن في عصر مفتوح على الفضائيات والانترنت، وليس لدي الرغبة بأن يعيش الطفل ضمن مفارقة بين أن يرى عملاً نظيفاً يتناسب مع ثقافته وبالمقابل متاح له كل الثقافات الأخرى، كما أنه يراها من الأصل مباشرة من دون رقيب أو حسيب، وأنا مع أن يكون العمل كما هو وأن تكون الرقابة رقابة تربوية وتوعوية من الأسرة، لأن الطفل بالنتيجة سيدخل فيما بعد ضمن مفارقة وبأنه تمت السخرية منه والاستخفاف به من خلال العمل الذي رآه في صغره وبأنه لم يكن هكذا ».
في حين السيد عمر كعدي قال «نحن كشركة نعتبر عمل الدوبلاج ليس فقط «بزنس» أو تجارة لأن فيه جوانب فنية وأخلاقية أو تربوية، وإذا كان العمل لا يحقق هذه الأمور فإننا نعتذر عن التنفيذ لأنه لن يكون مربحاً والمعادلة خاطئة، فالعمل المدبلج يكون مربحاً عندما يكون مناسباً لكل المحطات ولكل البيئات والثقافات وحتى بالنسبة للمحطات المتشددة مثلا لأنه لا توجد فيه أي مشاكل رقابية».

مسؤولية الرقابة الكرتونية تقع
على الأهل في المرتبة الأولى
في ظل كل ما هو متاح وكل ما هو معروض سواء على الشاشات أو الانترنت وبغض النظر عما هو مبذول من الشركات المنفذة في دوبلاج الأعمال الكرتونية، فعلى الأسرة الالتفاف حول الطفل بالمرتبة الأولى ومساعدته باختيار المناسب والأفضل بما هو متاح من كرتونيات.
مدير شركة NIS للدوبلاج نبيل دقاق «طريقة التربية الحديثة تقتضي المكاشفة والمصارحة وتمليك الطفل أدوات الاختيار بين الصح والخطأ، وليس بأن يقوم الأهل نيابة عن الطفل بالاختيار فأنا لست مع هذا التوجه، ولو أن هناك بعض الحدود التي لا تليق بالآداب العامة فهذه أنا معها، وفي ظل الرقابة الداخلية من الشركات المنفذة للأعمال فنحن من خلال شركتنا نراعي فعلا الكثير من المسائل حتى إننا لا نقوم بتنفيذ أعمال لا تحقق الشروط الدنيا لمعاييرنا».
بينما نائب رئيس مجلس الإدارة باستديوهات الترجمة والدوبلاج – تنوير عمر كعدي قال «نحن نغير في القصة في حال وجود موانع رقابية معينة بشكل عام مع وجود استثناءات، فالمعايير الرقابية بين كل محطة وأخرى تختلف، وبعض المحطات تكون متساهلة والبعض الآخر يكون متشدداً، كما أن جودة العمل يقررها العمل نفسه بغض النظر عن المكان الذي تمت فيه الدبلجة، فهناك أخطاء تسيء للعمل سواء أكانت أخطاء في الترجمة أو المكساج أو في اختيار الشخصيات، أو مثلا بأن يحافظ الممثل على الشخصية التي اتبعها في بداية العمل، فهذه الأخطاء هي التي تسيء إلى العمل وبالنهاية ننظر إلى العمل بعد انتهاء عملية الدوبلاج».

العلامة الفارقة.. سوريّة
عوامل كثيرة دفعت بسورية كي تكون منافساً أقوى في الدبلجة الكرتونية عربيا، وبالطبع الممثل السوري كسب الرهان كما وسعي الشركات المحلية لإنجاح نوع كهذا من الأعمال دفع الشركات لتطوير كل ما هو ممكن من حيث التنفيذ لتكون الأفضل في السوق العربية، السيد نبيل دقاق قال « السوق العربية ترغب بتنفيذ الأعمال الكرتونية في سورية بسبب جودة الأداء سواء من الشركة المدبلجة وأيضاً بالنسبة للممثلين السوريين الذين يتمتعون بمخارج الحروف الجيدة والحس التمثيلي العالي».
وحول هذه النقطة أضاف السيد عمر كعدي «بشكل عام الدوبلاج السوري متميز حيث تتم دبلجته بالفصحى وخصوصا بأن سورية الدولة العربية الوحيدة التي تجيد الفصحى، ويتم الأداء بسلاسة مطلقة من دون أن يُصبغ العمل باللكنة المحلية السورية وهذا أمر واضح جدا ويمكن استدراكه بمتابعة أعمال عربية مثل مصر أو الخليج حيث يكون من السهل معرفة مصدر العمل من اللكنة الواضحة بالفصحى، وعلى الرغم من أن الأردن ولبنان كانا سباقين إلا أن سورية استطاعت التقدم بالمرتبة من حيث الجودة، وبالإمكان القول إن سورية ولبنان هما المنفذ الأقوى للأعمال الكرتونية المدبلجة.

رغم المضمون لابد من رسالة
على الرغم من تنوع التوجهات والمعايير وعلى الرغم من اختلاف الثقافات فلابد أن تحمل المسلسلات الكرتونية المدبلجة رسالة بمضامين تنموية وتطويرية رديفة للتربية والترفيه للطفل السوري والعربي سواء بسواء، لهذا يفترض أن تحقق قدرا كبيراً من المسؤولية والأمانة، وخصوصا أنها أقرب إلى ذهنية الطفل من المناهج المدرسية، وعلى الرغم من كل ما سبق فهناك شعور كبير بالرضى لدى الشركات السورية عن جودة الأعمال المنفذة فيها، مع تفاوت التشجيع على متابعة ما تقوم به من دبلجة لمسلسلات كرتونية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن